الشيوعية أو الانقراض، الاحتباس الحراري (1)
«العِلم واضحٌ لا يساوم: المجال الحيوي لكوكب الأرض يقترب من نقطة انقلابية في الاحتباس الحراري، نقطة اللاعَودة التي إنْ تمّ تخطّيها ستنقل كوكبنا إلى حقبة جيولوجية جديدة غير صالحة للحياة البشرية. الموعد الدقيق لحصول ذلك غير محدد بدقة، ولكن إذا لم يحدث تغيير جذري عاجل في اتجاه النشاطات البشرية، فإنّ المؤكَّد: أنّ الكارثة ستقع بعد أقلّ من عشر سنوات! فكيف نستطيع أن نوقفها؟»
بهذا التحذير افتتحت الباحثة الأسترالية ديليس ويستون أطروحتها بعنوان «الاقتصاد السياسي للدفيئة الكوكبية» (The Political Economy of Global Warming)، المؤرخة في شباط 2012، والتي نالت عليها شهادة الدكتوراه من كلية العلوم الإنسانية في جامعة كورتين في استراليا. بعد عشرة أشهر وُجِدت الدكتورة ويستون (63 عام) مع زوجها غيفين موني (69 عام) البروفيسور في «اقتصاديات الصحة»، مقتولَين في منزلهما بجزيرة تاسمانيا الأسترالية.
إنّ النقطة الانقلابية التي أشارت إليها الراحلة ويستون، لا تعني فَناء البشرية المباشر عام 2022 بل تعني: أننا إذا لم نعالج المشكلة جذرياً قبل تلك النقطة فإنَّ هذه الظاهرة ذات المنشأ البشري سوف تكتسب عزماً يجعلها تخرج من أيدينا وتدخل في حلقة معيبة، بحيث تستمر وتتصاعد بشكل مستقلّ عن أية تأثيرات بشرية، أي: سيكون الأوان قد فات لتدخّلنا لإيقافها، وسنكون أصدرنا حكم الإعدام على نوعنا البشري، منتظرين أن ينفِّذَه القَدَر في أية لحظة.
المشكلة وحجمها
يقصد بالاحتباس الحراري (أو الدفيئة الكوكبية) ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة الوسطية لجو الأرض وتغيّر مناخها نتيجة لازدياد تراكيز الغازات الحابسة للحرارة (البيت الزجاجي)، والتي أهمها: ثاني أوكسيد الكربون، والميثان، وأوكسيد النتروز.
في هذه المادة سأستعمل تعبير «الاحتباس الحراري» بدل «الدفيئة» بسبب اعتراضي على الوقع النفسي التلطيفي الذي تضفيه كلمة «دفيئة» (warming) على هذه المشكلة الخطيرة، مقارنةً مع التعبير الأول.
تذكر د.ويستون في أطروحتها تقديراً لارتفاع درجة الحرارة الوسطي منذ بدأت القياسات في أواسط القرن التاسع عشر حتى 2007 (معتمدة بتحفّظ على التقرير الرابع للهيئة الحكومية الدولية لتغيّر المناخ IPCC) بأنه ارتفاع بمقدار 0.76 درجة مئوية. ووفق أحدث تقرير للهيئة نفسها (التقرير الخامس 2013، أي: بعد موت الباحثة) ارتفع الرقم إلى 0.85 درجة مئوية، علماً أنّ بعض نقاد الهيئة يعيبون عليها استخدام طريقة حساب خطية من شأنها أن تقلل الرقم، في حين تشير بعض الحسابات غير الخطية إلى ارتفاع بحوالي 1.15 درجة مئوية خلال الفترة (1880 – 2016).
وبالنسبة لانبعاثات غازات الاحتباس، فقد حدد العلماء المجال الآمن لمستوى ثاني أوكسيد الكربون في الجو بأنه يجب ألا يتجاوز 350 جزيئاً في المليون. الخطير في الأمر، أنّ مستواه الحالي في معظم أشهر سنة 2017 لم يقل عموماً عن 400 جزيء/مليون (حسب مرصد Mona Loa المرجعي التخصصي في هاواي، والذي سجّل وصول الرقم إلى 407.25 جزيء/مليون في تموز 2017)، والنسبة تزداد سنوياً بمعدل 2 جزيئين بالمليون.
حتى باعتماد أقل التقديرات لارتفاع درجة الحرارة أو مستوى غازات الاحتباس، يبقى الخطر قائماً بالوصول الوشيك إلى نقطة الانقلاب، وما ستجلبه معها من تغيرات كارثية منها ارتفاع مستوى البحار وفيضانات كبرى، وعواصف، ومجاعات، وموت وتشريد ملايين البشر، وانقراض أنواع بالجملة.
منهج الحل؟
تتبنّى الدكتورة ويستون، كما قالت، بشكل صريح «الفهم الماركسي المادي للتاريخ كضرورة حاسمة من أجل فهم الاقتصاد السياسي للدفيئة الكوكبية، وذلك لثلاثة أسباب مترابطة: (1) لفهم العلاقة الرابطة بين نقيضين: التراكم الرأسمالي من جهة، وحرمان الأكثرية من الملكية من جهة ثانية. (2) معالجة هذا التناقض بطريقة تحقق العدالة لجميع الشعوب المُفقَرة. (3) تطوير بنى اقتصادية سياسية جديدة تستطيع تجنّب عيوب الرأسمالية ومعالجة الأسباب العميقة للمشكلات وليس أعراضها فقط».
تاريخ الاستجابة للمشكلة
تعود أولى ردود الأفعال الدولية على مشكلة الدفيئة إلى (مؤتمر البيئة البشرية، ستوكهولم 1972)، ثمّ (المفوضية العالمية للبيئة والتنمية WCED 1983-1985) والتي ركّزت في تقريرها على أن يكون «النمو الاقتصادي مستداماً» عن طريق «تكنولوجيات محسَّنة» تؤدي إلى «تجنّب تدمير أو استنفاد الموارد الطبيعية».
في عام 1992 عقدت الأمم المتحدة «قمة الأرض» في ريو لتقييم الالتزام بتوصيات WCED. الجدير بالاهتمام: أن القمة شهدت مشاركة مؤثرة للعديد من المؤسسات النافذة، والشركات متعددة القومية، وخاصة شركات الوقود والسيارات، التي خشيت أن تضرّ توجهات المؤتمرات البيئية بمصالحها، فشكلت بالتزامن مع القمة «تحالف المناخ الدولي» GCC كمجموعة ضغط نافذة ضمّت بشكلٍ رئيس شركات النفط وصناعة السيارات (منها: معهد البترول الأمريكي، شيفرون، كرايزلر، أماكس قبرص للتعدين، إكسون، فورد، جنرال موتورز، شيل للنفط، تكساكو، وغرفة تجارة الولايات المتحدة). ونجح هذا اللوبي في دفع حكومة الولايات المتحدة إلى عدم التوقيع على «ضوابط الانبعاث الإلزامية». يُحسب لقمة ريو أنها شهدت لأول مرة اعتراف الحكومات بتهديد الأزمة البيئية، وربطها صراحةً بالوقود الأحفوري، ولفت الانتباه إلى المنعكسات البيئية السلبية للهوة بين فقر الملايين في «العالم الثالث» مقابل نمط الاستهلاك المفرط في الدول الغنية. ولكنها في المقابل فشلت في الاعتراف بالأسس التاريخية والبنيوية للمشكلات البيئة، وبأن اللامساواة والفقر ينشآن من الاقتصاد السياسي العالمي نفسه الذي يولّد هذه المشكلات، وبالتالي، فإنّ أية قرارات أو إجراءات دولية تفصل بينهما محكومٌ عليها بالفشل.
عام 1997 انعقدت قمة كيوتو في اليابان، والتي استبقها لوبي GCC الإمبريالي بحملة شعواء ضدّ أي اتفاق يقلّص من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. رسمت اتفاقية كيوتو هدفاً، أنه بحلول 2008 – 2012، يجب أن تكون الانبعاثات في الدول الصناعية كلها قد خُفّضَت بمقدار 5,2% دون مستوى الانبعاثات الذي كان في العام 1990 وقدَّم بروتوكول كيوتو آليات يستطيع من خلالها الموقّعون الإيفاء بالتزاماتهم في تقليص الانبعاثات، وسنرى كيف أن هذه الآليات جاءت محابية للأغنياء دولاً وشركات، ورغم ذلك كانت الولايات المتحدة الأمريكية من بين الممتنعين عن التوقيع عليها (انبعاثات أمريكا 25% من انبعاثات العالم، وسكانها 4% منه). وشهد العام نفسه تأسيس منظمة التجارة العالمية التي دأبت (مع صندوق النقد والبنك الدوليين) على غزو البلدان بتقاليد السوق الحرة النيوليبرالية، مع تشجيعها، أو حتى إجبارها، على تجاهل الالتزامات تجاه البيئة وحقوق الإنسان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 836