«الانفجار العظيم» على «الأرض الثابتة»..!
تعتبر فرضية الانفجار العظيم «Big Bang» واحدةً من أشهر «الفرضيات العلمية» الفيزيائية التي نالت رواجاً كبيراً، إعلامي الطابع بالتوازي مع مبالغ ضخمة قيل أنها صرفت في إطار التجارب الخاصة بهذه الفرضية..
تقول فرضية الانفجار العظيم بأنّ للكون بداية محددة كان فيها عبارة عن نقطة مادية تتكثف فيها طاقة وكتلة هائلتين، انفجرت تلك النقطة وبدأت عملية «توسع الكون» أو «الانتفاخ الكوني»، وتستند الفرضية كما يدعي أصحابها إلى نسبية أنشتاين العامة وإلى جملة ملاحظات تتعلق بانحرافات الإشعاعات الكونية، تم اختزال تلك الملاحظات وانتقاء المناسب منها لإثبات عملية التباعد أو التوسع، ومن ثم تم استخدام عملية استقراء رياضي شديدة البساطة –وحتى السطحية- يمكن اختصارها بأنّ ما يتوسع باستمرار لا بد أنه كان ضيقاً إلى ما لا نهاية أي أنه كان نقطة..
كشف كذبة متأخر إعلامياً
الأسبوع الفائت طالعتنا المواقع الإخبارية والمجلات العلمية- التجارية بخبر مفاده: «وفقاً لنموذج جديد طبّق شروطاً تصحيحيّة كمية لتكملة نظرية أنشتاين في النسبية العامة، فالكون موجود أزلياً بلا بداية ولا نهاية..»
هكذا إذن.. انهارت الفرضية متأخرة عن الوقت الطبيعي لانهيارها بحوالي 60 عاماً، أي لحظة ولادتها! فالفرضية تتعارض في أساسها مع المنطق العلمي كما الحال تماماً مع فتوى أحدهم القائلة بأنّ الأرض ثابتة لا تدور، ولكن هذه الأخيرة سهلة النفي وقابلة للتهكم بصورة أكبر من الانفجار العظيم..
هل من قوة خارجية تفسر الانفجار؟
الأمر شديد البساطة: فرضية الانفجار العظيم تفترض وجود بداية للزمن، وبذلك فإنها تعلق «الكتلة والطاقة الهائلتين» في الفراغ، وتجعل من الانفجار نفسه أمراً غير قابل للتفسير بغير وجود قوة خارجية تسبب ذلك الانفجار، لأنّ حدوث الانفجار وفق المنطق العلمي هو نتيجة لتراكم ما، أخذ زمناً ما، فالسكون المطلق، عديم الطاقة بل وعديم الوجود، وإلا فإنّ الانفجار جاء بمسبب خارجي! أيّ أن الفرضية التي تتبناها «نخب علمية» على امتداد العالم ليست إلا ديناً جديداً بلغة الفيزياء! وللمفارقة فإنّ كثراً ممن يقولون بها في مجتمعاتنا يقدمون نفسهم كماديين، ويستخدمون هذه الفرضية بالذات كأداة للدفاع العنجهي عن ماديتهم في وجه «المجتمعات المتخلفة التي تؤمن بأنّ الأرض ثابتة لا تدور»! ما يجعلهم في نهاية المطاف نوعاً آخر من «المفتين» القائلين بثبات الكرة الأرضية، لأن ماديتهم إياها تعبر في نهاية المطاف عن نزعة تحررية مغتربة ومعزولة تدافع عن نفسها بالوهم، وليست نزعة تحرر علمية عميقة الجذور..
نفيها قائم منذ ولادتها
الملفت أنّ كتاباً في ستينات القرن الماضي هو «فلسفة الفيزياء» للعالم الفيزيائي والفيلسوف الماركسي ماريو بونج، استطاع توضيح عدم علمية هذه الفرضية، وعدم منطقيتها، وخطئها الفلسفي والفيزيائي، وهو بالتأكيد ليس الكتاب الوحيد. مع ذلك فإنّ مئات الأفلام «العلمية» والكتب والمنشورات والتجارب اشتغلت على الفرضية دون إلقاء بال لانتقاداتها المنطقية الواضحة، وحتى اليوم هذه «المجمعات العلمية» تنفي الفرضية، فإنها لا تنفيها على أساس المشكلة العميقة في بنائها الفلسفي المنطقي، ولكن على أساس «النماذج الرياضية» و«التصحيحات الكميّة» أي أن باب الشعوذة باسم العلم وتحت رايته ما يزال مشرعاً على مصراعيه، فمحاولة قصر الفهم الفيزيائي أو أي فهم علمي آخر على النماذج الرياضية وعلى الرياضيات هو إنكار ضمني لاختلاف الظواهر عن بعضها اختلافاً نوعياً، وهو بالتالي محاولة للوصول إلى فهم بسيط ومسطح لعالم شديد التعقيد، حتى وإن تم استخدام أدوات رياضية معقدة في محاولة الفهم هذه، فالرياضيات على أهميتها تتعامل مع الكم دون النوع. وإذا كانت العلوم جميعها تسعى للتعبير عن نفسها بلغة الرياضيات، أي باكتشاف القوانين، فهذا لا يعني أنها تنظر إلى مواضيع دراستها بعين الرياضيات، بل بعين نوعية تختلف وفقاً للعلم المعني، وتبقى الرياضيات أداة لكل هذه العلوم وليس العكس..
بكل الأحوال فإنّ نفي هذه الفرضية سيريح البشرية من كذبة كبرى، ولكن استمرار سيطرة الرأسمالية على المؤسسات العلمية لا تبشر إلا بالمزيد من الأكاذيب الأخرى..