أوضاع الغابات السورية أثناء الحرب
انقرض القسم الأكبر من الغابات التي كانت تغطي أراضي بلادنا نظراً للتعديات المتواصلة عليها من غزوات الصليبيين إلى تسيير القطارات العامة خلال الحرب العالمية الأولى بأحطاب الغابات وكذلك مد السكك الحديدية من طرابلس إلى حيفا خلال الحرب العالمية الثانية الذي أخذت معظم أخشابه في مناطق اللاذقية والقسم الضئيل من غابات لبنان هذا بالإضافة إلى تعديات السكان من احتطاب لأجل التدفئة المنزلية والطبخ ومن ثم كسر الأراضي الحراجية وتحويلها إلى أراضي زراعية وكذلك الحرائق ورعي الماعز بالإضافة إلى أعمال تدخين التبغ غير المنظمة.
وتعرضت الغابات عبر العقود الماضية لتدهور كبير نتيجة القطع الجائر للأشجار الحراجية، والرعي غير المنظم، والحرائق، والتوسع الزراعي والسكني. مما أدى إلى تدني مساحتها إلى ما نسبته 1.26% من مساحة الأراضي السورية.
المحميات والمنتزهات الوطنية
بلغ عدد المحميات والمنتزهات الوطنية 30 محميةً، تغطي نظماً بيئية متنوعة موزعة في جميع مناطق سورية.
منها محميتان مائيتان هما: فنار ابن هانىء ومحمية سبخة الجبول.
إضافة إلى حماية النطاق المائي لبعض المحميات في نهر الفرات (محمية جزيرة الثورة والحويجات الفراتية المعلنة كمحميات طبيعية غابوية).
بلغ عدد المحميات الرعوية في البادية السورية /76/ محمية مساحتها الإجمالية/943432/ هكتار منها /11/ محمية لتثبيت الكثبان الرملية و /6/ محميات متعددة الوظائف( رعوية وحياة برية) منها محمية التليلة للحياة البرية ومحمية أبو منجل ذات الأهمية الخاصة.
لا إحصاءات
تسببت آلة الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام بدمار كبير طال البيئة السورية، بكل مقوماتها، من دون أي استثناء، من بشر وحجر وشجر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبالرغم من عدم وجود غابات كبيرة في سورية إلا أن الغابات التي كانت موجودة قبل بدء الحرب كانت بمثابة رئة لسورية.
لا إحصاءات حول حجم الضرر الذي لحق بالغابات والمناطق الحرجية في سورية، إلا أن تقديرات وزارة الزراعة تشير إلى وجود «أضرار كبيرة جداً» في المساحات الحرجية والغابات، سواء بفعل الحرائق التي تسببت بها الحرب، أو بسبب عمليات قطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة.
استعادتها تتطلب مئات السنين
المناطق الحدودية مع تركيا، والتي تضم غابات عديدة هي الأكثر تضرراً، بسبب الحرب، وافتعال بعض الحرائق، والتي كان أكبرها الذي نشب في غابات الزعينية في غرب جسر الشغور، حيث أتت النار على مساحات كبيرة من الغابة، والتقديرات المبدئية لخسائر هذا الحريق فقط كبيرة جداً، واستعادة هذه الغابة تتطلب مئات السنين.
كما نشب حريق في منطقة كسب في ريف اللاذقية وصل إلى محمية الفرنلق، أتى على حوالي 150 هكتاراً كحصيلة أولية، وكانت تنتشر فيها أشجار الصنوبر والسنديان شبه العذري.
وتعرضت منطقة أبو قبيس إلى حريق أتى على 60 دونماً من الأشجار الحرجية من الصنوبريات والبطم الأطلسي.
حرائق في المناطق الآمنة
كما طالت حرائق جديدة المناطق الآمنة في الغاب حيث كان الحريق الأول في المنطقة المجاورة لقرية نهر البارد والمحاذية للاوتوستراد الذي يربط المنطقة الساحلية بمنطقة الغاب السقيلبية، والثاني في بلدة عين الكروم التي تقع إلى الشمال من قرية نهر البارد، والثالث في قرية نبع الطيب التي تقع إلى شمال بلدة عين الكروم، والرابع في ناحية شطحة التي تقع إلى الشمال من قرية نبع الطيب، وكان بين الحريق و الآخر مدة زمنية لا تتعدى أيام و كان من نتيجة هذه الحرائق زوال آلاف الدونمات من الغابات الطبيعية حيث تحول الغطاء الأخضر الكثيف إلى مناطق عارية بلون بني مسود .
تفحيم واحتطاب
وفي محافظة القنيطرة، اندلعت حرائق عدة في العام 2012 في منطقة بئر عجم وبريقة ـوعين التينة والحميدية وطرنجة، كانت حصيلتها احتراق آلاف دونمات السنديان والبلوط.
تظهر التقديرات المبدئية لوزارة البيئة أن خسائر الحرائق تصل إلى مليارات الدولارات، تظهر التقديرات نفسها أرقاماً كبيرة جداً بسبب قيام المواطنين وبعض «العصابات» بقطع الأشجار سواء لتفحيمها، أو لاستعمالها في عمليات التدفئة بشكل مباشر(حطب).
تم قطع غالبية الأشجار الموجودة على الطريق الدولي (دمشق حمص) قرب حمص (المخروطيات وخاصة الصنوبر المزروع).
تشير التقديرات إلى أن الكثير من المحميات، والغابات والمناطق الحراجية تعرضت لعمليات قطع جائر، منها محمية البلعاس في محافظة حماة، التي تعرضت لقطع المئات من الأشجار الحرجية المعمرة، إضافة إلى الغابات الحراجية الممتدة من منطقة تلكلخ وصولاً إلى محافظة طرطوس.
وتقدر أعداد الأشجار التي تم قطعها في محافظة حماة، وفي منطقة تلكلخ بحوالي سبعة آلاف شجرة حراجية.
حتى مواقع التحريج
بلغ عدد الأشجار التي تعرّضت للقطع في الحسكة حوالي 7500 شجرة حراجية، معظمها من محميّة جبل عبد العزيز، التي يوجد فيها نوعان من البطم هما البطم الأطلسي، وبطم كنجوك، كما طالت التعديات غابة الأسد ومواقع تحريج منطقة «السراقة»، منطقة مغلوجا، ومواقع تحريج الشهيدي.
في القنيطرة، تعرضت محمية جباتا الخشب لعمليات القطع الكامل على مستوى سطح التربة، وتعرّضت منطقة الشحار في جنوب جباتا الخشب لعمليات قطع لأشجار الصنوبر الثمري.
في محافظة درعا قطعت كامل المساحات الحراجية في تل شهاب ومزيريب (على يد جبهة النصرة-تمهيداً لبيعها كحطب) ومعظم الأشجار على أطراف الطرقات والحدائق الصغيرة في المناطق السكنية.
لم تفلت الحدائق
وفي وقت تركز فيه وزارة البيئة في تقديراتها على المناطق الحرجية والغابات، تعتبر الحدائق العامة والمنتزهات الموجودة داخل المدن أكثر المناطق تضرراً، حيث تعرضت معظم الحدائق في المدن الساخنة (التي تشهد معارك)، أو الخارجة عن السيطرة (فلتان أمني) لعمليات قطع لأشجارها بغرض التدفئة.
بدائل للكهرباء والمازوت
هناك تخوف من حصول تعديات كبيرة هذا العام، خصوصاً في ظل استمرار الحرب من جهة، ووجود أزمات في المحروقات، والكهرباء إثر خروج عدد من آبار النفط عن السيطرة، وتعرض محطات تحويل التيار الكهربائي لاعتداءات مستمرة تتسبب بقطعها وطول ساعات التقنين ما ينذر بشتاء قاس جداً سيدفع المواطنين إلى المزيد من الاعتداءات بحثاً عن الدفء.
شكل عمليات قطع الأشجار وبيعها كحطب أو تفحيمها مهنة بات يمارسها عدد من المواطنين، المنظمين على شكل «عصابات» تقوم بقطع الأشجار وبيعها في السوق، أبرزها افتعال حرائق في الغابات تمهيداً لبدء حرقها.
إن عودة الغابات والمناطق الحراجية إلى الحالة التي كانت عليها قبل الحرب قد يتطلب مئات السنين، كما سيؤثر على مختلف جوانب الحياة، مما يشددً على ضرورة التحرك من مختلف الجهات لمنع استمرار هذه الكارثة.