سرطانات تسببها المياه المكلورة
في بحثه المعنون «المسرطنات المائية» يتحدث الدكتور عادل عوض من قسم الهندسة البيئية في جامعة تشرين عن مياه الشرب المكلور فيقول: يتم تعقيم مياه الشرب في مختلف بلدان العالم بواسطة مادة الكلور التي تقوم بتطهير هذه المياه من الجراثيم الممرضة.
إلا أن هذه العملية تؤدي إلى تشكل مركبات جانبية خطرة من خلال تفاعل الكلور مع الملوثات العضوية الموجودة في مصادر المياه. وهذه المركبات هي ثلاثي الهالوميثان (THMs) وهي على أنواع، وأكثرها ظهوراً وبتراكيز عالية هو الكلوروفورم. وقد أجريت دراسات وبائية عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية لتقرير ما إذا كان هناك علاقة بين استهلاك مياه الشرب المكلورة وظهور متزايد لحالات سرطانية معينة.
وقد أشارت الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC) في نتائج أحد الأبحاث. أنه ليس هناك علاقة كافية (مؤكدة) لتشكل السرطانات عن طريق مياه الشرب المكلورة، ولهذا صنفت ضمن المجموعة (2B) (سرطانات ممكنة).
ونشر موريس وآخرون ضمن دراساتهم الوبائية للفترة الواقعة ما بين 1966-1991 نتائج تدل على وجود علاقة إيجابية ما بين استهلاك مياه شرب مكلورة (الحاوية على مركبات جانبية نتيجة التعقيم بالكلور، مثل مركبات ثلاثي الهالوميثان THMs) وسرطانات المثانة والمستقيم عند الإنسان. واستنتجوا إحصائيًا بأن 9% من سرطانات القولون والمستقيم و15% من سرطانات المثانة في الولايات المتحدة قد تعود إلى استهلاك مياه مكلورة. ولكن آخرين انتقدوا عمل موريس ومجموعته بشدة وذلك لسببين: أولهما وجود فجوة كبيرة ما بين نتائج تحليلاتهم الإحصائية الوبائية والنتائج المبنية على تجارب مختبرية أجريت على القوارض، وثانيهما أن التحليل الإحصائي غير ملائم وغير كافٍ. مع ذلك جاءت دراسات أخرى لتؤكد وجود علاقة واضحة بين سرطان المثانة على الأقل وتناول مياه مكلورة. وهذا كله يشير إلى ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث الملحة والمستعجلة في هذا الإطار. وجرت بحوث في فلندا تغطي (56) بلدية كشفت إمكانية تشكل سرطانات المعدة والمثانة والكلية بسبب استهلاك مياه شرب مكلورة. وأشار كانتور في دراسته المرجعية إلى تمييز سرطانات المثانة والقولون والمستقيم عن غيرها، إذ يمكن أن تكون أكثر ارتباطاً بالاستهلاك المديد والمتراكم لمياه مكلورة. وهذا يعني -بحسب رأيه -أنه يمكن أن يحدث سنوياً في أمريكا عدة آلاف من حالات السرطانات بسبب استهلاك مياه مكلورة مسحوبة أصلاً من مصادر المياه السطحية المعقمة في محطات المعالجة. ويخلص بالنتيجة إلى أن المعلومات المتوفرة تدعم التركيز والاهتمام الجاد بموضوع الخطر السرطاني لدى سلطات المياه للعمل على تقليل التعرض -قدر الإمكان -للنواتج الجانبية لكلورة مياه الشرب أثناء معالجة التلوث الميكروبيولوجي بالكلور.
واقترحت الوكالة الأميركية لحماية البيئة (EPA) تخفيض مركبات ثلاثي الهالوميثان (THMs) من تركيز 100 ميكروغرام في اللتر إلى 80 ميكروغرام في اللتر، إلا أن هذا سيكلف حوالي 1 مليار دولار سنوياً. مما تقدم فإن المراجعة السابقة تظهر وجود علاقة – وإن كانت غير مرضية تماماً – بين استهلاك مياه شرب مكلورة وتطور عملية التسرطن خصوصاً سرطان المثانة والقولون والمستقيم. إلا أن هذا لا يعني بالضبط الدعوة إلى التخلي عن الكلور ودوره الهام والمعروف عالمياً في منع انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه مثل الكوليرا والزحار والتيفوئيد وغيرها من الأمراض الجرثومية العديدة.
إن السرطانات ذات العلاقة بالمياه تعني أن مسبباتها موجودة أو منقولة في المياه أو أن منشأها من المياه، ولا يمكن القول هنا بأن محرضات هذه السرطانات قاصرة على المياه فقط، بل يمكن أن يكون هناك أسباب أخرى (غير المياه) تلعب دوراً إضافياً أو محدداً في أية إصابة نوعية بالسرطان. ومن الجدير بالذكر أنه كلما توفرت نتائج بحثية أكثر ظهرت حاجة إلى تنقيح الاستنتاجات والتوصيات المرتبطة بسرطانات المياه وتعديلها.