في حماية الأصول الوراثية

في حماية الأصول الوراثية

مع تطور البحث العلمي وخاصة في الشق الزراعي منه ظهرت الحاجة إلى حماية المصادر الوراثية، بالتزامن مع ازدياد الاستيلاء على المصادر الوراثية الزراعية السورية من المؤسسات الدولية التي نسبت هذه الأصناف وتطويراتها إليها متناسية حق السوريين في هذه الموارد كما تزامن صدور القانون كذلك مع تزايد الحركة العالمية الاحتجاجية لدول ما يسمى بالعالم الثالث في وجه الدول التي حاول بشتى السبل منع المعاهدات الدولية الحافظة لحقوق الجميع في مواردهم الوراثية، وقد استطاعت  دول العالم الثالث الفوز بهذه المعركة من خلال اتفاقية التنوع الحيوي  وتعديلاتها والبروتوكولات المرافقة لها.

صدر القانون -20- للعام 2009 لحماية وتداول الأصول الوراثية النباتي، وقد هدف إلى حماية وصيانة وتنمية وتنظيم تداول الموارد الوراثية النباتية للأغراض الأكاديمية والبحث العلمي والتدريب وتربية النبات والاستفادة منها في تطوير تراكيب وراثية جديدة لأغراض تجارية ووضع قواعد الاقتسام العادل للمنافع الناجمة عن ذلك, إضافة إلى تنظيم الحصول على الموارد الوراثية النباتية ونقلها خارج الحدود السورية وضمان الاقتسام العادل للمنافع المالية أو التقنية أو العلمية وما في حكمها نتيجة الحصول على الموارد الوراثية النباتية واستخدامها حسبما هو متفق عليه في اتفاقات نقل المواد بين سلطة الموارد الوراثية النباتية ومقدم الطلب، وتوجيه هذه المنافع نحو حفظ وتنمية الموارد الوراثية النباتية والاستفادة منها وتطوير القدرات العلمية والفنية الوطنية ونقل التكنولوجيا والمعلومات إلى
الجهات الوطنية المعنية بالأصول الوراثية النباتية والتنمية الزراعية، ومشاركة الجهات العامة والخاصة والفلاحين والمزارعين في برامج حماية وصيانة الموارد الوراثية النباتية.
موروث نباتي غني

وتتمتع سورية بموروث نباتي غني جداً بأصناف عديدة وكثيرة منها الأشجار المثمرة والأشجار الحراجية والنباتات العطرية.
من المفترض أن قانون حماية الموارد الوراثية النباتية سيسهم في تسجيل النباتات في سورية وضمان حفظها ونقلها والتعامل معها وحقوق نقلها للغير، وتبرز أهميته لجهة الحفاظ على ما تبقى من الموارد النباتية الوراثية وحمايتها.
وينص القانون المذكور على فرض غرامة تتراوح بين 25 ألفاً و100 ألف ليرة سورية على من يجمع أنواعاً من الموارد الوراثية النباتية لم يتفق عليها مع سلطة الموارد الوراثية النباتية.
كما يفرض القانون غرامة تتراوح بين 75 ألف ليرة سورية و150 ألف ليرة سورية على من يخرج الموارد الوراثية النباتية خارج حدود سورية بدون اتفاق نقل مواد ساري المفعول، إضافة إلى مصادرة هذه الموارد لمصلحة الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية.

البحوث الزراعية

ونظرا لأهمية الموارد الوراثية النباتية التي تتعرض للتدهور والتناقص، وضعت الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية خطة للحفاظ عليها وعلى التنوع الحيوي، وما يحويه من مستودع مورثات شملت أعمال الجمع والحصر والتقييم والدراسة والحفظ و لاسيما بعد صدور قانون حماية الموارد الوراثية النباتية، حيث نفذت الهيئة الكثير من الأعمال والنشاطات في مجال الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة،  وأبدت وزارة الزراعة اهتماما بالموارد الوراثية النباتية ودراستها وحفظها والاستفادة منها، حيث أنشأت بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة الفاو أول غرفة تبريد متوسط المدى على درجة حرارة صفر و4 درجات مئوية وبحجم 50 مترا مكعبا، وتم إنشاء البنك الوراثي الذي يحتوي على غرفة تبريد متوسط المدى وطويل الأمد، وإنشاء مخبر حديث للتقانات الحيوية لعمل البصمة الوراثية ودراسة التراكيب الوراثية في قسم الأصول الوراثية.
وقد تم إنقاذ العديد من العينات بعد الأحداث المؤسفة والتخريب الذي طال الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية في دوما، رغم عدم إمكانية إنقاذ عينات مركز إيكاردا في حلب.

الموارد البشرية والحيوانية

لكن الموارد الوراثية السورية لا تقتصر حتماً على الموارد الوراثية النباتية، رغم الأهمية الكبرى للتنوع الحيوي النباتي الطبيعي والزراعي، فالتنوع الحيوي الحيواني الطبيعي والزراعي على نفس الدرجة من الأهمية، وكذلك التنوع البشري، وما فيه من إمكانيات تعود بالفائدة على البحوث المسخرة لمصلحة الصحة.
إن عدم وجود تشريع يحمي هذه الموارد يجعلها عرضة لخطر النهب والتهريب، خاصة في ظل أوضاع متوترة كهذه التي نعيشها اليوم، وقد ظهرت العديد من الحالات، من أمثال تهريب وتخريب السلالات المحلية كالأبقار الشامية، وغنم العواس، ناهيك عن العديد من أنواع الحيوانات البرية التي تمارس ضغوط عديدة لتهريبها.

بنك وراثي سوري

ويتكامل مع هذا الإطار القانوني اللازم، ضرورة إنشاء بنك وراثي  سوري، وهو ما تجري فيه الآن مبادرة في هذا الاتجاه، من عدة مؤسسات علمية رائدة في سورية، نتمنى في مراحل لاحقة أن ينتقل من كونه قاعدة بيانات افتراضية تجمع بيانات البنوك الوراثية الموزعة في عدد من مراكز الأبحاث السورية، إلى بنك وراثي حقيقي، يحمي ما أورثته الطبيعة لنا عبر الاصطفاء الطبيعي والتنوع المناخي والجغرافي، كما يحمي جهود ملايين السوريين عبر أكثر من عشرة آلاف عام في تطوير المحاصيل والحيوانات الزراعية عبر جهود التربية والانتخاب.
في ظل سياسات زراعية عالمية تمحو الحدود الوطنية والجغرافية الطبيعية لمصلحة المحاصيل المهندسة وراثياً التي تروج لها الشركات الاحتكارية الكبرى، من أجل التخلص وإلى الأبد من السلالات الوطنية والمحلية، تلك التي أثبتت جدواها وفعاليتها، ومقاومتها للعوامل الضاغطة المحلية، والتخلص من هذا التنوع الغذائي والطبيعي والجمالي المميز لكل منطقة من العالم، لنصبح جميعاً جزءاً من ماكينة عالمية تبتلع كل ما هو قّيم وثمين من خيرات أرضنا.