في التعديل الوراثي
في نقاشات مع عدد من الأصدقاء تبين لي أن هناك لبساً كبيراً في موضوع التعديل الوراثي، من حيث مفهومه وبالتالي القدرة على تحديد موقف منه، عندما يصبح الموضوع مطروحاً على نطاق البحث، وخاصة عندما تسعفنا إحدى الزميلات الشابات باستفتاء للرأي حول من هو مع أو ضد التعديل الوراثي.
تتشابك القضايا، ويسألك أحد الزملاء: أليس التطعيم نوعاً من التعديل الوراثي؟
ولماذا هذا الموقف المتشدد من التعديل؟، ربما يكون التعديل في مصلحة تطوير أنواع بإنتاجية عالية ومقاومة للأمراض، هل أنتم ضده في هذه الحالة ايضاً؟ وما قصتكم مع مونسانتو؟
أمام هذا الكم الكبير من الأسئلة والتساؤلات أجد نفسي مضطرة إلى توضيح بعض القضايا التي كنت أعتقد أنها واضحة وتبين أنني كنت على خطأ مبين.
التعديل الوراثي هو تعديل يطبق على المادة الوراثية بشكل متعمد وخلال فترة قصيرة نسبياً بهدف تغيير إحدى الصفات الوراثية أو أكثر من صفة، وهي تختلف عما يسمى بالتربية، والتي هي أيضاً نوع من التعديل الوراثي الذي يجري على الكائنات وخاصة النباتات والحيوانات الزراعية بهدف انتخاب أفضل الأصناف المناسبة لأهداف محددة، كالتناسب مع البيئات الصعبة (تحمل الجفاف أو الحرارة أو الملوحة أو البرودة ... إلخ) أو إنتاج أفضل من الحليب أو اللحم وغيره، وقد عرفت عمليات التربية عبر التاريخ منذ بدء البشرية لعمليات الزراعة واستئناس الحيوانات، وتعتبر الأصناف الزراعية المحلية الموجودة في كل منطقة من بقاع العالم نتاجاً لعمل وخبرات ملايين البشر من المزارعين ومربي الحيوانات عبر عشرات آلاف السنوات، ولذلك فهي تعتبر ثروة وطنية في كل منطقة بالإضافة إلى اعتبارها ثروة للبشرية جمعاء وتسمى التنوع الحيوي الزراعي.
وذلك خلافاً للتعديل الوراثي الذي يسميه البعض الهندسة الوراثية (وهو جزء من التقانة الحيوية)، الذي كما ذكرنا يجري في المخابر خلال فترات قصيرة، وقد بدأ هذ التعديل أساساً على يد الشركات المنتجة للمبيدات (وعلى رأسها شركة مونسانتو الأميركية)، بهدف إنتاج محاصيل قادرة على تحمل كميات أكبر من المبيدات على اعتبار أن الكميات العالية من الأسمدة تؤثر على إنتاجية المحاصيل بسبب سميتها العالية ليس على الآفة فقط بل على المحصول بحد ذاته، وليس في هذا الهدف أي نوع من غايات الإنتاجية الأفضل أو المحاصيل المقاومة للأمراض بل على العكس من ذلك، وللحديث بقية.