جانب عملي من الإستراتيجية الصينية في إفريقيا
تبني الصين بشكل متسارع مكانة أكبر لها في إفريقيا، ما يجعل الغرب يشعر بالقلق ومحاولة اللحاق بها. المشكلة أنّ الغرب، ورغم تقديمه خططاً وإستراتيجيات لإفريقيا، يبقى نجاحه فيها محدوداً. في مقابلة مع هو وينبينغ، الباحثة من معهد دراسات غرب آسيا وإفريقيا في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، تتحدث عن الأسس العملية للإستراتيجية الصينية في إفريقيا. إليكم أحد جوانب هذا النهج العملي.
ترجمة: قاسيون
تتشكّل اليوم، خاصة بعد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي، مجموعة قيادية جديدة. ما هو الوضع الجديد في الدبلوماسية الصينية تجاه إفريقيا؟
منذ عام 2021 وبعد عقد منتدى التعاون الصيني الإفريقي، صاغ الجانبان بشكل مشترك «رؤية 2035 للتعاون الصيني الإفريقي» في مجالات الابتكار الرقمي والتنمية الخضراء وبناء القدرات والتبادلات الشعبية والثقافية والسلام والأمن، حيث تمّ إنشاء تسعة مشاريع أحدها هو المركز الإفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها الذي دشنه الوزير تشين جانغ بداية عام 2023.
بشكل عام يشمل الوضع الجديد التركيز على الاحتياجات العاجلة. سمعنا المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه رئيس الاتحاد الإفريقي أنّهم بغض النظر عن الدولة التي يتعاونون معها، فمصلحة إفريقيا يجب أن تأتي في المقام الأول، هذا بيان عمليّ للغاية. لقد استمعت البلدان الإفريقية كثيراً إلى ما تريد الدول الكبرى أن تفعله عندما تأتي إلى إفريقيا، ويقلقني بعض الشيء المبالغة في وسائل الإعلام بشأن «الحرب الباردة الجديدة» في إفريقيا، فهي تؤثر بشكل كبير في الرأي العام هناك.
هناك الكثير من الدول التي تعلن بأنّها لا تريد اختيار أيّ جانب. يدرك الجميع وزن الصين في إفريقيا، فالعديد من مشروعات البنية التحتية اليوم ينجزها الصينيون. تقوم الدول الأوروبية والأمريكية بمواجهة مشكلة مع ذلك، لهذا يقطعون المساعدات الخارجية على الفور. لا يوجد لدى أوروبا والولايات المتحدة استثمارات في البنية التحتية في إفريقيا، وعلى الرغم من أنهما تقولان بأنّهما ستدخلان هذا المجال مرة أخرى، فلا يزالان في مرحلة رسم الكعك ولم يشهدوا البناء الفعلي للمشروع، بينما كنا نقوم بذلك منذ سنوات عديدة. بالنسبة للصين فهي لم تقل يوماً بأنّ على إفريقيا أن تختار جانباً ما، فهذا يتعارض مع فلسفتنا الدبلوماسية.
لذلك عندما نتعاون مع إفريقيا علينا أن نتخذ موقفاً محترماً ومتساوياً ونولي أهمية لمصالح إفريقيا. تواجه إفريقيا اليوم أزمة غذاء وطاقة وأزمة مالية وتهديدات أمنية. لهذا يعمل الجانب الصيني اليوم بأقصى جهد كي يجعل البلدان الإفريقية تشعر حقاً بما يعنيه «مجتمع المصير» حيث التعاون بين الجانبين مستقر وطويل الأجل.
لكنّ التخطيط في إفريقيا لا يخلو من المخاطر. على سبيل المثال هناك بعض المشكلات في البلدان الإفريقية، مثل عدم الاستقرار السياسي، والصناعات المتخلفة، ومشكلات جودة العمالة...إلخ. سواء أكان ذلك متعلقاً بالعمل الدبلوماسي الصيني أو استثمار الشركات، فالانتشار في إفريقيا يجب أن يكون من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام خاص.
يجعلنا هذا ندرك بأنّ البحث في إفريقيا يجب أن يكون متعمقاً ومفصلاً لفهم الديناميكيات المحلية ووضع خططنا الخاصة. كما نحتاج أيضاً لمزيد من الاتصال بالقوى المحلية في المنطقة. لم يكن لدينا أيّ اتصال تقريباً مع أحزاب المعارضة، لكن من المحتمل جداً أن أحزاب المعارضة اليوم هي الأحزاب الحاكمة غداً. في الواقع علينا الاتصال بجميع الأحزاب السياسية القائمة قانوناً. نحن اليوم نتعرّف ونضع الأساس لبعض التغييرات المحتملة، ولا نحاول التدخل بالشؤون الداخلية للطرف الآخر بحيث لا يؤثر تحركنا على العلاقات مع الأحزاب الحاكمة. هذا ما يخص الجانب السياسي.
أمّا فيما يتعلق بالصناعة، فقد أنشأنا العديد من المجمعات الصناعية في إفريقيا للتعاون مع الدول في الطاقة الإنتاجية. يسأل العديد من الأصدقاء الأفارقة كيف نمت الصين من فقيرة إلى ثريّة، فنقدّم لهم مناطق تعاوننا الاقتصادي والتجاري ومناطقنا الساحلية الخاصة بحيث نجلب خبراتنا إلى إفريقيا. نظراً لأنّ إفريقيا كبيرة جداً، فمن المستحيل بالنسبة لنا نشرها بطريقة شاملة، لذلك سوف نستخدم بعض المجمعات الصناعية للعب دور تجريبي.
على سبيل المثال جذبت المنطقة الصناعية الشرقية في إثيوبيا ما يقرب من 100 شركة بعد اكتمالها، وخاصة في صناعات مثل مواد البناء والأحذية والقبعات والمنسوجات والملابس وتجميع السيارات ومعالجة المعادن، ممّا يوفر فرص عمل لـ 18 ألف من السكان المحليين. عندما تحدثت مع رئيس المنطقة الصناعية بشأن المساحات الفارغة فأخبرني أنّ المنطقة ممتلئة بالفعل ولا مكانَ فارغاً فيها. حتّى أنّ بعض الشركات تحقق أرباحاً كبيرة لدرجة أنّها لم تعد قادرة على توسيع الإنتاج في المنطقة الصناعية، فلجأت إلى إنفاق المال لشراء بعض الأراضي وإنشاء مناطقها الخاصة للإنتاج، مثل صناعة الأحذية.
لكنّ المشكلة الكبيرة هي مشكلة جودة العمالة، فعندما اتصل مع الشركات الصينية في إفريقيا، اتفق عدد كبير منهم بأنّهم غير قادرين على إطلاق عملية الإنتاج بسبب عدم توفر موظفين محليين جيدين. الأمر اليوم ليس كما في الماضي، فنحن نحضر فقط أعمالنا إلى إفريقيا وليس عمّالنا. تزداد اليوم القومية الاقتصادية في إفريقيا وتصبح أعلى وأكثر بروزاً، وقد أصدروا القوانين واللوائح الصارمة للغاية الخاصة بمتطلبات معدلات توطين العمالة التي توضع كشرط للسماح للشركات بالعمل. دفعنا هذا إلى الاهتمام بشكل متزايد وكبير بمسألة توطين المؤسسات لعمالتها في السنين الأخيرة.
في الماضي قدمنا للأفارقة عدداً من المنح الدراسية وأرسلنا الطلاب إلى الصين، وهؤلاء الأفارقة الذين يدرسون في الصين درسوا بشكل أساسي العلاقات الدولية أو اللغة الصينية، لكن نادراً ما يدرس هؤلاء المهارات العملية ليصبحوا متخصصي التكنولوجيا الصناعية، رغم أنّهم بحاجة ماسة إليه. حتّى الأفارقة يشعرون بهذه الحاجة، فعندما أحضر هناك المؤتمرات يضحكون على أنفسهم بأنّ لديهم الكثير من المتحدثين ولكن عدد قليل جداً من المؤهلين الفعليين.
لذلك بدأنا بالفعل بتنفيذ التدريب المهني في إفريقيا. في منتدى التعاون الصيني الإفريقي لعام 2018، اقترحت الصين إقامة 10 مدارس مهنية في إفريقيا لتوفير التدريب المهني للشباب الإفريقي. في الواقع قبل أن تطرح الدولة المبادرة، أولت الشركات الصينية اهتماماً لهذه القضية بسبب تجربتها الخاصة. في 2014 استثمرت شركة CITIC بالكامل في إنشاء مدرسة تدريب مهني غير ربحية أطلق عليها اسمها. عندما ذهبت لزيارة المدرسة في أنغولا، رأيت أنّها تعلّم كيفية بناء الجدران والجص، وكانت العملية تتمّ بين الفصول في ورشة عمل بدلاً من الجلوس أمام السبورة والاستماع للمحاضرات.
في مدرسة باينيان المهنية، تجاذبت أطراف الحديث مع الطلاب الأفارقة، وكانوا متحمسين للغاية لأنّه لا توجد رسوم دراسية عليهم دفعها، علاوة على أنّ جميع المهارات التي يتعلمونها قابلة للتطبيق على الفور. هناك العديد من الشركات الصينية هنا، كما أنّ الطلب على التوظيف قويّ للغاية، ويمكنهم العثور على وظائف بسرعة بعد الانتهاء من دراستهم. يقولون لأنفسهم: ما الفائدة من تعلّم اللغة الألمانية أو شيء من هذا القبيل، إن لم تكن هناك شركات ألمانية لتعمل بها؟ لذلك هم إيجابيون للغاية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1107