السعودية وتعميق العلاقات مع الصين وتطبيعها مع إيران
فاليري كوليكوف فاليري كوليكوف

السعودية وتعميق العلاقات مع الصين وتطبيعها مع إيران

لفترة طويلة كان الإعلام الغربي ومحللوه يتحدثون عن «منعة الخليج العربي» أمام غير الولايات المتحدة، وبأنّ الصين حتّى لو نجحت دبلوماسياً في وسط وجنوب آسيا، فهي غير قادرة على الوصول إلى الشرق الأوسط وتطوير العلاقات مع دول الخليج العربي. كما أنّ هؤلاء المحللين أنفسهم كانوا يأملون باستدامة التوترات في الخليج بين السعودية وإيران، لتستمرّ الولايات المتحدة من الاستفادة منه وصولاً إلى تفجيره عند الاضطرار للانسحاب من الخليج العربي. لكنّ زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، والتقارب السعودي الإيراني المتزايد، يشي بعكس ذلك.

ترجمة: قاسيون

أشار عدد ليس بالهيّن من المؤرخين إلى أنّ أحد الأسباب المباشرة لاندلاع الحرب العالمية الثانية هو الصراع للسيطرة على النفط، وحتّى الهجوم الذي شنته الطائرات اليابانية في كانون الأول 1947 على القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربور، والذي كان بمثابة بداية الحرب في المحيط الهادئ، مرتبطاً بعامل النفط، حيث رغبت اليابان بالسيطرة على النفط في جزر الأرخبيل الإندونيسي الغنية به. حاولت ألمانيا النازية بدورها ضمن تطلعاتها نحو الشرق أن تحلّ مشكلة نقص النفط لديها بكلّ الوسائل.
قامت الولايات المتحدة أيضاً بعد الحرب العالمية الثانية ببناء توسعها نحو الشرق على افتراض أنّ النفط هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي لأيّة دولة، ولم يكن لديها في ذلك الوقت ما يكفي من هذا المورد الثمين، وكان عليها تبعاً لذلك حتّى منتصف عام 2010 أن تشتري حوالي 60٪ من نفطها من السوق الخارجية.
أدخلت ثورة النفط الصخري في صناعة النفط والغاز الأمريكية تعديلات جدية في هذا المجال، خاصة بعد أن أصبحت الولايات المتحدة واحدة من أكبر موردي النفط للأسواق العالمية. بعد هذا الانخفاض في اعتماد الولايات المتحدة على النفط من الخليج العربي، بدأت الإدارة الأمريكية في تقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وبشكل عام الدعم السياسي والاقتصادي لدول هذه المنطقة. نتيجة لذلك بدأت علاقات الولايات المتحدة مع دول الخليج تتدهور تدريجياً بدءاً من إدارة ترامب وصولاً إلى إدارة بايدن.
استفادت السلطات في بكين بمهارة من هذا الوضع. يمكن فهم هذا على وجه الخصوص في التقرير الضخم «التعاون الصيني العربي في العصر الجديد» الذي نشرته وزارة الخارجية الصينية في أوائل شهر كانون الأول. يشدد التقرير بشكل محدد على أنّ الصين والدول العربية قد أوجدت بالفعل جوّاً من الثقة الإستراتيجية المتبادلة الواقعية القائمة على مواقف متماثلة بشأن احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهم البعض ومنع سياسات القوة والهيمنة. وتجدر الإشارة إلى أنّه منذ فترة طويلة فيما يتعلق باللغة الدبلوماسية للصين، تمّ استخدام مفهوم قيم مناهضة الهيمنة وعدم التدخل في شؤون الدول، وبالتالي يعكس تركيز بكين على مواجهة الهيمنة الأمريكية جنباً إلى جنب مع الدول العربية كأحد أهداف الصين الرئيسية في تعزيز علاقاتها مع العالم العربي. خاصة في سياق الهجمات المكثفة الأخيرة على الصين من قبل الولايات المتحدة، والرفض الصريح من قبل دول الخليج العربي لتنفيذ إملاءات واشنطن.
ضمن هذا المنظور يمكننا أن نفهم أنّ زيارة الرئيس الصيني إلى الشرق الأوسط والاتصالات الصينية العربية تعبّر عن كون الصين قد أتت إلى المنطقة لتبقى لفترة طويلة. المشاريع التي اقترحتها بكين للتنفيذ لا تغطي فقط التعاون المالي والتجاري، بل أيضاً الشراكة التكنولوجية طويلة الأجل. على سبيل المثال، تفتح المملكة العربية السعودية سوقها أمام العديد من شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية الكبيرة، وأبرزها هواوي التي تمّ فرض حصار عليها مؤخراً من جديد من قبل الولايات المتحدة. إنّ مثل هذا الانفتاح من جانب السعودية دليل على مستوى عالٍ من التنسيق المستقبلي بين الرياض وبكين.
لا يفوتنا أيضاً أن النقاش المشترك الصيني السعودي للقضايا الأمنية – والتي كانت لفترة طويلة من اختصاص واشنطن التي كانت تعلن أنّها تضمن أمن السعودية – تعني أنّ بكين مستعدة اليوم لتصبح معنية أكثر في القضايا العالمية، حيث يمكن اعتبارها نقطة علام لأول مرة تقوم فيها الصين بمثل هذا التعاون الأمني خارج حدودها.
ورغم أنّ واشنطن كانت واضحة للغاية عبر البيان الذي أدلى به منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي جون كيربي، بأنّها ترفض تكثيف سياسة بكين في الشرق الأوسط، فلا يبدو أنّ دول الخليج العربي التي رفضت في أكثر من مناسبة الانصياع لأوامر واشنطن، أنّها تلقي بالاً للاعتراض الأمريكي.
في الواقع تحتاج دول الخليج العربي اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى الوصول إلى أسواق مستقرة على أساس طويل الأجل، وهي بحاجة إلى تطوير بنيتها التحتية وطرق النقل. الجميع يعلم بأنّ الصين تملك هذه الأسواق، ناهيك عن قدراتها الاستثنائية في إنشاء البنية التحتية الحديثة، بما في ذلك من خلال مبادرة الحزام والطريق. هذا لن يساهم فقط في تعزيز بكين مع دول الخليج العربي، بل أيضاً في طرد الولايات المتحدة التدريجي من المنطقة. زادت التجارة بين الصين ودول الخليج بالفعل عشرة أضعاف على مدار السبعة عشر عاماً الماضية.
يأخذنا هذا إلى الجهود التي تبذلها السعودية بالتعاون مع إيران للوصول إلى صيغ تفاهم تضرب آخر آمال الولايات المتحدة في إشعال المنطقة. أجرت السعودية وإيران سلسلة متكاملة من المفاوضات، جرت بمعظمها في بغداد. خففت الجولات القليلة الماضية التوترات بين الطرفين، حتى أن وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيات أشار في مقابلة أجراها إلى أنّ المفاوضات انتقلت من المسائل الأمنية البحتة إلى المستوى السياسي. في 19 كانون الأول قال وزير الخارجية الإيراني بأنّ طهران مستعدة لبناء الثقة والتعاون مع جيرانها في الخليج العربي في جميع المجالات للمساعدة في التخلص من «فكرة توفير الأمن من الخارج»، في إشارة واضحة إلى الوجود الأمريكي.
إنّ إيران، وهي الطرف الآخر ذي العلاقة الممتازة مع الصين، والذي وقّع منذ فترة ليست بالبعيدة اتفاقية تمتدّ إلى خمسة وعشرين عاماً مع بكين، يقع على سلّم أولوياتها عدم السماح للولايات المتحدة بالعبث بأمنها. يدرك الإيرانيون أنّ ازدهار علاقاتهم مع الصين، واستقرارها مع الخليج العربي، سيضعف بشكل رئيسي من قدرة الولايات المتحدة «وإسرائيل» على تعكير صفوهم والضغط عليهم اقتصادياً.
إنّ التنسيق المشترك للصين مع الطرفين السعودي والإيراني يفتح الباب منطقياً– رغم أنّ ذلك غير مطروح في الوقت الحالي– لأن يلعب دور الوسيط في تهدئة الخلافات. قد تنضم بكين إلى موسكو التي تجمعها بالفعل علاقات طيبة بكلا الجانبين، والتي عرضت وساطتها وتقديم منصة تفاوضية تجمع طهران والرياض لاستكمال خطوات التقارب التي بدأت بالفعل.
على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي عقد في 21 كانون الأول، التقى وزيرا الخارجية الإيراني والسعودي. وكما قال وزير الخارجية الإيراني فالسعودية مستعدة لمواصلة الحوار مع طهران، وأنّ المسار الدبلوماسي مستمر بالوتيرة نفسها على طريق فتح سفارة البلدين والعودة إلى العلاقات الطبيعية.

بتصرّف عن:
Why is China improving ties with the Arab world?
Will there be reconciliation between Iran and Saudi Arabia?

معلومات إضافية

العدد رقم:
1103
آخر تعديل على الإثنين, 02 كانون2/يناير 2023 22:19