الديمقراطية في إفريقيا والطريق المفتوحة أمام الشارع لتخطي البُنى الغربية
لا يمكن للديمقراطية في إفريقيا أن تتحقق عبر النخب السياسية. ستتحقق الديمقراطية من الأسفل، من الشوارع وعبر تحشد الحركات الشعبوية وتنظيمها. نسمع اليوم في الإعلام السائد الكثير من الأحاديث عن «التراجع الديمقراطي» عبر الكوكب، حيث يتأسف المعلقون الليبراليون على تصاعد «الشعبوية» ويتهمونها مع قادتها بتهديد قواعد القانون. ومن أشهر الناطقين باسم الليبرالية الغربية بهذا السياق منظمة «موطن الحريات» التي أعلنت في تقريرها عام 2019 المعنون «الديمقراطية في تراجع». وفي موجة القلق المتزايد إزاء ما يسمّونه «الفترات الثالثة»، قامت المنصة الرأسمالية الشهيرة «مجلس العلاقات الخارجية» بانتقاد ما سمته «العدوى المنتشرة من بروندي إلى أوغندا إلى الكاميرون... حيث يرفض الكثير من القادة الأفارقة حدود الفترة والسن في مدّة استلامهم للسلطة، ويعدلون الدساتير لتلائم سلطتهم إن كان ضرورياً».
ترجمة: قاسيون
هناك الكثير من الإشكالات في هذه الانتقادات، أولها أنّها تعلن بشكل ضمني عن قبول أنّ هؤلاء الرؤساء قد وصلوا إلى السلطة في المقام الأول بشكل شرعي وبانتخابات نزيهة وعادلة. لنأخذ أوغندا كمثال، حيث تم انتخاب الرئيس ياوري موسفيني أول مرة عام 1996، أي بعد عشرة أعوام على استلامه للسلطة. ولهذا وعندما واجه حدود الفترتين الرئاسيتين، قام بسهولة بإزالة العقبة وجدد لثالث مرة في العام التالي. وبعدها فاز للمرة الخامسة في 2016، ومرة أخرى في بداية عام 2021.
في رواندا، انتخب بول كاغام أول مرّة في عام 2003، أي بعد تسعة أعوام على حيازة حزبه على السلطة. فاز في ذلك العام بنسبة أصوات 95%، واحتفل بانتصاره مجدداً عام 2010 و2017 «بعد إقامة استفتاء نتيجته 98% من الناخبين لصالح استثنائه وحده من شرط الفترتين». وهناك الكثير من الأمثلة أيضاً، ولكن بكلمات أخرى: مسألة الفترات الثالثة تتجاهل واقع أنّ ديمقراطية الانتخاب قد تكون أمراً خيالياً قبل وقت طويل من التلاعب الدستوري.
كما أنّ هذا الانتقاد يحجب المشكلة الأعمق حول طبيعة الديمقراطية في القارة والتواطؤ الغربي في دعم الحكم الأوتوقراطي. لعقود خلت كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من سعيدين بدعم القادة الأفارقة في الأنظمة السياسية غير الديمقراطية، طالما أنّهم يضمنون المصالح الغربية الاقتصادية والأمنية. ومهما أعلنت واشنطن من تصريحات تمهيدية، كان كلّ شيء يُنسى عندما يتبين أنّ المصالح ستبقى مستقرة.
وكنتيجة لذلك يمنح المراقبون الغربيون وسفاراتهم موافقتهم على الانتخابات الإفريقية دونما اهتمام بالتظاهرات الهائلة التي تندلع في الشوارع أو غيرها. في انتخابات فليكس تشيسكيدي في كانون الثاني 2018 في الكونغو، والتي حاصرتها التظاهرات لأشهُر، هدأت الانتقادات الأمريكية والأوربية خلال أسابيع. في كينيا عام 2017، قام جون كيري رئيس مهمة مراقبة الانتخابات التابعة لمؤسسة كارتر بالتصديق على نزاهة انتخاب أوهورو كينياتا، رغم قيام المحكمة العليا الكينية بعد ذلك بإلغاء الانتخابات بسبب المخالفات التي شهدتها. وحتّى الانتقادات التي تحاول أن تنظر إلى أبعد من أسماء المرشحين والتي ترى في هذا النمط من الانتخابات عنصراً حاسماً في الاستبداد الجديد، يبقى التركيز بشكل كبير على الصيغة الصورية لانتخابات تشارك فيها عدّة أحزاب، بوصفها المقياس الرئيسي للديمقراطية الإفريقية.
قام بعض المفكرين الأفارقة من أمثال كلود آك وسمير أمين وعيسى وغيرهم منذ وقت طويل بالتشديد على التحديات المتنوعة التي تقف في وجه الديمقراطية: مجموعة الخيارات السياسية المحدودة المتاحة للدول الإفريقية، والتي تجد نفسها مخنوقة بفعل البنية الاقتصادية العالمية المشوهة، وبالمطالب الاقتصادية النيوليبرالية للمانحين، وبتفشي المنظمات غير الحكومية الغربية ووكالات التنمية. إنّ إفريقيا لا تزال تعاني ممّا سمّاه ثانديكا مكاندواير في التسعينات: «الديمقراطية بلا اختيار»، حيث يؤدي التبني واسع النطاق للانتخابات متعددة الأحزاب إلى حدوث تغيير جوهري ضئيل، ولا يقدّم سوى عدد ضئيل من البدائل.
تصبح الانتخابات مهمّة فقط عندما تشكّل مناسبة لتدفق الطاقة السياسية حول النقاشات والرؤى الجديدة للناس الذين يجوبون الشوارع، لكن في إفريقيا بدا واضحاً كمّ العنف الذي تستعد النخب لتوظيفه للحفاظ على السلطة في يدها. تكشف الانتخابات في إفريقيا عن المعضلة التي تواجهها القوى التقدمية في تنظيم وإحداث تغيير سياسي، وكذلك فتح الفضاء السياسي أمام الشارع. هنا تماماً علينا أن ننظر لنرى آفاق الديمقراطية في إفريقيا، لا أن نحصر أنفسنا في المجالات التقنية للانتخابات. يجب النظر إلى التنظيمات التي ينتهجها الناس، وإلى المطالب التي ينادون بها في المدن والقرى الإفريقية، ونجاح وإخفاق الحركات الاجتماعية وتنظيم الناس.
تاريخ انتخابات إفريقي جدلي
لنتمكن من تقدير كيفيّة انفصال الانتخابات في إفريقيا عن الإرادة الديمقراطية، فمن النافع أن ننظر إلى الوراء إلى الاضطرابات الكبرى التي هزّت القارة في أواخر فترة الحرب الباردة. في 1985، انتشرت سلسلة من التظاهرات الشعبية التي بدأت من السودان وانتشرت بسرعة شديدة على طول القارة الإفريقية. بين منتصف الثمانينات وأوائل التسعينيات، ضربت الاحتجاجات الجماهيرية عدداً كبيراً من بلدان إفريقيا – 14 في عام 1990 وحده.
لقد قادت الاحتجاجات – وهي التي اندلعت كردّ فعل على إجراءات التقشف القاسية التي فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي – إلى ازدهار الانتخابات على طول القارة. ففي حين أنّ ثلاثة دول قد عقدت انتخابات قبل موجة التظاهرات، أجرت ثلث دول القارة في التسعينات انتخابات تحمل لقب حرّة، تبعاً لتصنيفات «منظمة موطن الحرية»، وكان المزيد من الدول يهمون بإجراء انتخابات.
لكن انتهى المطاف بهذا التغيّر في الأحداث في صالح النخب. حيث وجدت الجماهير بأنّ مطالبها في التغيير الاقتصادي والحياة السياسية استُبدلت بانتخابات متعددة الأحزاب يسيطر النخب عل أحزابها. خسرت موجة الحراك الشعبي الثانية مطالبها لصالح أشكال مشوهة من الانتخابات «كانت الأولى بين الأربعينات والستينات وأدّت إلى استقلال الدول الإفريقية». تصاحب الانتقال الصوري إلى الديمقراطية مع الإجراءات النيوليبرالية، لتتحول الانتخابات من كونها وسيلة أصيلة لمنح الديناميكية للسلطة، إلى فرصة لتبني المزيد من الإجراءات الاقتصادية الغربية المتمّثلة بالتقشف واللبرلة الاقتصادية. وحتّى المنصات التي تدّعي الاشتراكية، مثل المؤتمر الوطني الإفريقي المتبجح بكونه تقدمياً، لم يشذّ عن هذه القاعدة.
تقدّم الأحزاب المعارضة على طول القارة وجوهاً جديدة من أجل قمّة هرم السلطة السياسية، لكن لا أحد منها يمثّل تحدياً حقيقياً للنظام الاقتصادي المهيمن، ولا أحد منها كذلك يحترم حقوق التجمّع وحق الحديث اللازمين والضروريين لكي تزدهر الديمقراطية والسياسات الشعبية. ولهذا لا يجب أن يثير دهشتنا أن تكون الدول الإفريقية من بين أكثر الدول لا مساواة في العالم، سواء نظرنا إلى الدخل أو الاستهلاك أو الثروة. إنّ سبعة من أصل عشر دول أعضاء في الاتحاد الإفريقي، موجودة في قائمة الأعلى في معامل جيني «وهو المقياس النموذجي للامساواة في الدخل». وتشمل هذه الدول ذات الدخل المتوسط مثل بوتسوانا وجنوب إفريقيا، وكذلك الدول الأكثر فقراً على وجه الأرض مثل سيراليون وإفريقيا الوسطى. إنّ هذا التغيّر في الأحداث مذهل بحق إذا ما أخذنا بالحسبان أن معظم قادة الأحزاب المعارضة في القارة كانوا في يومٍ من الأيام من المحسوبين على تيّار التغيير الجذري.
التحرر من الوهم والنزول إلى الشارع
في كانون الأول 2018، واجهت الكونغو، وهي من أكبر دول إفريقيا، أزمة سياسية عميقة جداً. في الكونغو التي تديرها عائلة كابيلا منذ عام 1996، سمح جوزيف كابيلا أخيراً بإجراء انتخاب لاختيار خلف له بعد سنين من المماطلة. مضت أحزاب المعارضة والحركات الاجتماعية وغيرهم بصبر إلى اللعبة الانتخابية، رغم أنّ كابيلا قد استبعد شخصيات معارضة رئيسية. وبُعيد الانتخابات، ورغم حرمان ملايين الناخبين من حق التصويت، سرّبت الكنيسة الكاثوليكية، وهي التي نشرت أربعين ألف مراقب للانتخابات على طول البلاد، النتائج: فاز مرشح المعارضة مارتن فايولو بأغلبية ساحقة. لكنّ كابيلا صدم الناس بإعلانه أنّ مرشحه المفضّل فليكس تشيسكيدي، وهو الذي حقق المرتبة الخامسة من حيث الأصوات، هو من فاز. ثمّ أكدت المحكمة الدستورية بعد ذلك انتصار تشيسكيدي.
هرع بعدها المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة التي كانت تعلن عبر وزارة الخارجية قبيل الانتخابات بأنّ: «حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ستحاسب الذين يعيقون العملية الانتخابية»، إلى تهنئة «التزام الرئيس جوزيف كابيلا بأن يكون أول رئيس للكونغو يتنازل عن السلطة سلمياً عبر الانتخابات». لقد أعلن الغرب موافقته على النتائج، وتُرك الناخبون على طول البلاد في حالة ذهول وقد تقلصت قدراتهم وخياراتهم لتحدي هذه السرقة الموصوفة.
لنقارن الأمر بما حدث على بعد 2500 كلم في السودان. استولى المتظاهرون على الشوارع. بدأ الأمر في ما كان ذات مرّة مدينة صناعية في عطبرة، حيث انتفض المحتجون على ارتفاع أسعار الخبز، وانتشر الأمر بسرعة إلى عدّة أماكن قبل وصوله إلى العاصمة الخرطوم. لأربعة أشهر، استمرّ المتظاهرون بالضغط على النظام الذي استجاب باستخدام العنف، ليخلّف على الأقل خمسين قتيلاً وعدداً كبيراً جداً من الجرحى والمساجين. ثمّ في الشهر الرابع 2019 أجبرت التظاهرات، بمساعدة الجيش الذي تمّ إضعافه، البشير على الانزياح.
لقد أعيد انتخاب البشير في 2015 بنسبة ساحقة 94% من الأصوات، وهي النتيجة التي صرّحت مَهمّة مراقبة الانتخابات من الاتحاد الإفريقي بأنّها عكست: «إرادة ناخبي السودان». وهو الأمر الذي يبدو لنا زيفه عندما نرى بأنّه بعد أقل من ثلاثة أعوام قام السودانيون العاديون بالإطاحة بالنظام عبر وسائل غير انتخابية. ورغم أنّ الوضع لا يزال يشهد مداً وجزراً بين النخب والشعب السوداني، فلا يزال السودانيون يتحدّون محاولات إعادتهم إلى الدكتاتورية، ويسعون إلى قولبة رؤية سياسية مناسبة لحقبة ما بعد الانتفاض.
ورغم أننا لا نشير هنا إلى أنّ التحركات الشعبية في الشارع كافية وحدها لتعميق الديمقراطية في القارة، فالطريق أمام هؤلاء المحتجين طويل وزاخر بالتحديات. وربّما المسألة الأكثر إلحاحاً هي في التعامل مع النظام الانتخابي القائم في السعي إلى تجاوز عوائقه وحدوده الحالية.
أوغندا بين مدّ الشارع وجزر الانتخابات
ربّما يكون المثال الأكثر دلالة على عدم جدوى الانتخابات ضمن النظام الحالي هو أوغندا. فقد شهدت انتخابات 2011 تحدياً كبيراً وحقيقياً للرئيس ياوري موسيفيني الذي حكم 33 عاماً، والذي تمتّع بدعم ثابت وشديد من المانحين الغربيين. وضعت الانتخابات زعيم حزب «منصّة التغيير الديمقراطي» كيزا بيسيجي في مقابل موسيفيني والحزب الحاكم «حركة المقاومة الشعبية». عندما أُعلن فوز موسيفيني بنسبة 70% من الأصوات، أطلقت المعارضة مظاهرات «المضي للعمل» فنزل عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع للاحتجاج على الارتفاع الهائل لتكاليف المعيشة والفساد الحكومي المتفشي. لم تتفرّق التظاهرات إلّا عندما نشرت الحكومة قوات الجيش الخاصة في كامبالا، وهرب بيسيجي إلى كينيا لتلقي العلاج الطبي الطارئ. تعلّم الحزب الحاكم الدرس ومضى في تفتيت ومنع تشكّل أيّة معارضة ذات وزن. في انتخابات 2016، تفشّت الرشوة والابتزاز والعنف، لكن ورغم دعوة بيسيجي للتظاهر لتحدي هذه الحملة، لم تستطع أية مظاهرة كبرى أن تتشكّل.
ثم في العام التالي، ظهر نوع تحدٍ آخر للنظام. حصل بوبي واين، موسيقيّ له جذوره في أحياء كامبالا الفقيرة، على القبول الشعبي على طول البلاد بسبب أعماله العامة وكلمات أغانيه الواعية اجتماعياً. انتصر في انتخابات برلمانية فرعية في كامبالا عام 2017 ليترشح باسم تحقيق العدالة الاجتماعية للفقراء وإنهاء الدكتاتورية والفساد. وعقب فوزه، شكّل بوبي إستراتيجية سياسية جديدة. فعوضاً عن استهداف موسيفيني بشكل مباشر أو الانتظار حتّى تأتي الدورة الانتخابية الرئاسية، وضع كامل دعمه وتأييده لمجموعة من مرشحي المعارضة في انتخابات فرعية أخرى، وكانوا بأغلبهم مستقلين عن حزب بيسيجي المعارض. كانت الحشود تتدفق بشكل هائل عند أيّ ظهور لواين، وكان كلّ مرشح يدعمه يحقق النجاح. لكنّ الخطوة التالية لهذه النجاحات كانت بداية النهاية. فقد أعلن الموسيقي عن تشكيل حزب «حركة سلطة الشعب».
بدأت أجهزة الأمن التابعة للنظام عملها. تمّ إلغاء حفلات واين، أو قوبلت بقنابل الغاز المسيل للدموع وبشرطة حفظ النظام. تمّ سجن بوبي في آب 2018 وتعذيبه بضعة أيام قبل أن تنتشر حملة «حرروا بوبي واين» على الجدران وعبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. تمّ إطلاق سراحه، لكنّه منذ ذلك الحين يتعرض لمضايقات الشرطة والاعتقال والإجراءات القضائية. كما قامت السلطة باتباع إستراتيجية جديدة بدورها عبر بناء ودعم موسيقيها الخاص المنافس الشديد لواين ويدعى بوب كول، والذي بدأ يروج لموسيقاه وكلماتها بشعار أنّها تعبر عن «الأغلبية الصامتة». وقد تلقى كول الإطراء من موسيفيني نفسه.
انتهى المطاف ببوبي واين إلى محاولة العودة إلى الشارع وحشد الجماهير من جديد، والتراجع عن سياسات الانتخاب التقليدية والمعارضة باستخدام الأحزاب التقليدية، وذلك رغم حفاظه على موطئ قدم في العملية السياسية الرسمية لكونه نائباً برلمانياً. لكنّ العوائق أمام قدرته على العودة لهذه الإستراتيجية باتت واضحة.
عندما عادت الدورة الانتخابية في كانون الثاني 2021، فاز موسيفيني من جديد، وتمّ حبس المنافس بوبي واين بعد إعلانه عدم قبول النتائج. بسبب اعتماد حزبه «سلطة الشعب» على حضوره الشخصي ونقص التنظيم البنيوي غير التقليدي، عانى من التواجد على الساحة السياسية. وأدّت أحزاب المعارضة التقليدية في الانتخاب مثلما فعلت في الأعوام الماضية. ورغم أنّ الطبقة الوسطى في أوغندا تنظر بعين العطف إلى بوبي واين، فهي لا تنظر إليه على أنّه قائد سياسي، وذلك رغم أنّ الكثير من الشباب جاهزون للاستيلاء على الشوارع تحت راية «سلطة الشعب». وهو ما يعيدنا من جديد إلى الإعاقة التي يشكلها تركيز المشاريع السياسية الديمقراطية حول شخصية كاريزماتية.
إعادة تعريف الديمقراطية
من المقاربات التي تسعى إلى تحدي هذه المعضلة التي تحكم اختيار الحركات السياسية المعاصرة لإستراتيجياتها، المقاربة التي انتهجتها الحركة السنغاليّة ين-أ-مار، والتي اختارت البقاء خارج النظام الانتخابي. ففي حين أنّها قد تشكّلت في البدء لتنظيم الاحتجاجات الشعبية ضدّ محاولة الرئيس السابق سرقة دورة ثالثة، فقد تطورت منذ ذلك الحين لتصبح حركة اجتماعية أكبر، تتخطى فروق الريف-المدينة والانقسامات الطبقية.
كما أنّها تبنت رسالة تتخطى الحملات الانتخابية، فأيدت قضايا مثل التغيّر المناخي والتوتر العرقي في البلاد. استطاعت الحركة عبر تجنبها المشاركة في النظام الانتخابي أن تعيد التأكيد على دور الحركات الشعبية بوصفها محركاً للتغيير الاجتماعي. لكن لا يزال من غير الواضح بعد، إن كانت ستتمكن من البقاء دون تحولها إلى بنية حزبية تقليدية.
وفي النهاية، يجب علينا أن ننظر إلى تصاعد الحركات الشعبية والاجتماعية ليس بوصفها تراجعاً عن الديمقراطية، بل تعميقاً لها عبر إعادة تعريف ما تعنيه الديمقراطية الإفريقية من جديد.
بتصرّف عن كتاب Africa Uprising: Popular Protest and Political Change (African Arguments)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1039