د. بول كريغ روبرتس - ترجمة قاسيون أبحاث العولمة - 2 آب 2011 د. بول كريغ روبرتس - ترجمة قاسيون أبحاث العولمة - 2 آب 2011

انحدار وسقوط الإمبراطورية الأمريكية

أضاعت حكومة الولايات المتحدة وإعلامها التابع الوقت والطاقة لخلق هستيريا حول «أزمة سقف الدين».  بعد قراءة «الأخبار» في وزارة البروباغندا ومشاهدة غباء الحكومة الأمريكية، صعق العالم بعدم نضج «القوة العظمى الوحيدة في العالم».

يتساءل العالم، أيّة قوةٍ عظمى هذه التي تريد الذهاب إلى أخبار الحادية عشرة لتقنع العالم، الذي يحتفظ باحتياطاته المصرفية في دين الخزينة الأمريكية، أن الحكومة الأمريكية ليست عاجزةً عن تسديد الدين؟

ينتاب بلدان العالم القلق من السلامة العقلية وصحة أحكام بلدٍ يمتلك الترسانة النووية الأكبر في العالم.

ذلكم إنجاز الجمهوريين، الذين يريدون زيادةً ضئيلةً واعتياديةً في سقف الدين العام، حدثٌ لطالما حصل مراراً أثناء حياتي، وتحول إلى أزمةٍ تهدد النظام المالي العالمي. لأكون واضحاً، ما من خطرٍ يهدد قدرة الولايات المتحدة على التسديد، طالما يمتلك الرئيس أوباما قوةً أقامها الأمر الرئاسي 51 الذي أعلن فيه الرئيس جورج دبليو بوش افتراض حالة طوارئ وطنية، وأزاح جانباً سقف الدين المحدد وسلطة الكونغرس في إصدار المال، ومواصلة إصدار الدين اللازم لتمويل حكومة الولايات المتحدة وحروبها.

الأزمة التي تروج لها الصحافة الأمريكية لا تظهر إلا عهرها.

يرتفع الدين العام للولايات المتحدة الأمريكية بسرعةٍ مقابل ناتجها المحلي الإجمالي، مع أنه لا يزال دون معدلاته أثناء الحرب العالمية الثانية. المشكلة التي يتجاهلها الحمقى وحاشيتهم في واشنطن هي صلة الدين بالاقتصاد، فالدين يرتفع لكنّ الاقتصاد لا ينمو، نفقات الحرب هي التي تتنامى. 

لماذا لا ينمو الاقتصاد؟

الاقتصاد لا ينمو لأنّه خارج البلاد. فالناتج المحلي الإجمالي الذي كانت تحققه غاري وإنديانا وسانت لويس وديترويت وسيليكون فالي وباقي الأماكن.. هو ناتجٌ محليٌّ إجماليٌّ للصين والهند وإندونيسيا وبلدانٍ أخرى، حيث قوة العمل الصناعية والخدمات المهنية يمكن استئجارها بأسعار أقل مما هي عليه في الولايات المتحدة.

ما الذي يحدث في الخارج؟ الإجابة في غاية الوضوح. لقد غادر البلادَ الناتجُ المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ودخلها الاستهلاكي وفرص العمل داخلها وإيراداتها الضريبية.

من المستفيد؟

المستفيد الوحيد هو وول ستريت، وحملة أسهم الشركات الكبرى ومديروها. وفي حين تتصاعد دخولهم، يتناقص الناتج المحلي إلى جانب تناقص فرص العمل للأمريكيين والإيرادات الضريبية لحكومتها.

المدمر الآخر للإمكانات الاقتصادية الأمريكية هو إلغاء القيود في القطاع المالي. وضع الاقتصاديون نظريةً مفادها أنّ الأسواق كانت تنظم نفسها ذاتياً، خالقةً وهماً أنّ الجشع لا يخلق مشكلة. طربت آذان وول ستريت لتلك النغمة ووجدت فيها مصدراً لمزيدٍ من الدولارات. قفز إلى السطح رئيس الاحتياطي الفدرالي آلان غرينسبان. أولئك الذين يشبهون بروكسلي بورن، منحتهم سلطة القانون القدرة على تنظيم المشتقات، لكنّ رئيس الاحتياطي الفدرالي ووزير الخزينة ورئيس هيئة الأوراق المالية والتبادل طردوهم من مناصبهم.

بعد تحرر المؤسسات المالية من قانون غلاس ستيغال ومتطلبات رأس المال والمراقبة، سارعت لاستخدام الدين رافعةً للقيام بمراهنات غير واقعية أوصلته لتخومٍ مذهلة. حين انهارت الخطط، أقرض الاحتياطي الفدرالي المصارف الأمريكية والخارجية 16100 مليار دولار، وهو مبلغٌ أكبر من الدين العام الأمريكي وأكبر من الناتج المحلي للولايات المتحدة.

من أين حصل الاحتياطي الفدرالي على ذلك المبلغ؟ لقد حصل عليه من الهواء بكبسة زر. وفي حين قام بخلق قروضٍ جديدةٍ للمصارف الخاصة من هذا المبلغ، جرفت تلك المصارف المنقذة المنازل المحجوزة التي طرد أصحابها الأمريكيون منها.

إذاً في أمريكا، منارة العالم، تم طرد المواطنين الأمريكيين من منازلهم كي تتمكن تلك المصارف من التهام منازلهم.. في أمريكا فقط يستقيم ذلك.

سياسات الولايات المتحدة لم تتسبب بجعل الأمريكيين دون مأوى فحسب، بل إنها سببت ذلك للأفغان والباكستانيين والعراقيين واليمنيين والصوماليين والليبيين أيضاً. علاوةً على ذلك، حروب أمريكا على هذه الشعوب اجتمعت مع دعم الميزانية العسكرية/ الأمنية التي بلغت 75 بالمائة من عجز الميزانية. واقع الأمر، تفوق كلفة تلك الحروب المدخرات المستقبلية الضئيلة الناتجة عن صفقة تحديد سقف الدين.

بكلماتٍ أخرى، تستهلك كلفة الحروب، التي تجعل ملايين البشر دون مأوى، أموالاً تستطيع الحكومة الفدرالية بواسطتها إبقاء الأمريكيين في منازلهم والمعلمين في مدارسهم. وبقدر ما يؤكد الجمهوريون على اهتمامهم بالدين العام، فهم لا يهتمون كفايةً بقضيتهم عبر استرجاع مبلغ الـ1200 مليار دولار من الميزانية العسكرية/الأمنية أو برفع معدلات الضريبة المنخفضة على كبار الأثرياء.

انظروا إلى هذه العناوين الرئيسية في يوم 30 تموز، قبل يومين فقط من الموعد المفترض، من أون لاين غروب، أوقفوا الناتو:

الجيش الأمريكي سينتشر في أستراليا لمواجهة الصين..

دعوةٌ لتوسيع العمليات الأمريكية لمواجهة التمرد في الفيليبين..

الولايات المتحدة ستجدد السفن الحربية البولندية من أجل بحر البلطيق..

بلغاريا: البنتاغون يواصل تجديد القواعد العسكرية..

الولايات المتحدة تستخدم القاعدة الجوية في رومانيا لإمداد حرب أفغانستان..

مركز الشراكة الأمريكية الإفريقية في شرق إفريقيا..

منغوليا: الولايات المتحدة تقود الناتو، حلفاء الناتو في آسيا يقومون بمناورة عسكرية..

حرب ليبيا: أكثر من 17 ألف مهمة جوية للناتو، ما يقارب 6500 غارة..

الصورة الكبرى: الحرب على ليبيا حربٌ على إفريقيا..

الأسئلة الحقيقية

أيّ بلدٍ في العالم يواجه الإفلاس والعجز عن التسديد ينخرط في مناوراتٍ عسكريةٍ في منغوليا وآسيا الوسطى؟ ما الذي يفعله الناتو في منغوليا وقد تأسس لمواجهة اندفاع السوفييت في أوروبا الغربية؟ لماذا الإنفاق العسكري ضروريّ، والإنفاق على تخفيض أعداد المشردين الأمريكيين غير ضروريّ؟ لماذا لا يصغي الجمهوريون حين يقول الملياردير وارين بافيت إنّ معدل الضريبة على دخله الهائل أقل من معدل الضريبة على دخل أمينة سرّه؟

الإجابة على كلّ ذلك أنّ للجمهوريين أجندتهم: الحرب. وهم يريدون تمويل هذه الحرب، ليس بفرض الضرائب على الدخول المرتفعة، بل باقتطاع الكثير من برامج دعم الفقراء والمشردين.

خلاصة القول: حتى لو حدثت الاقتطاعات فعلياً، سيؤدي الاقتصاد الضعيف إلى مشاريع عجزٍ جديدة ستبتلع المدخرات المتوقعة من اتفاقية وضع حدٍّ للدين.

ما الذي ستفعله الحكومة إذاً؟

إلى أن يدرك صانعو السياسة في واشنطن أنّ الاقتصاد صار خارج البلاد ويتخذون ما يكفي من الإجراءات لإعادته إلى البلاد، لن يكون هنالك حلٌّ لمشكلة دين أمريكا أو لمشكلة البطالة فيها.

آخر تعديل على الأربعاء, 26 تشرين1/أكتوير 2016 15:23