أليكس لانتير - ترجمة قاسيون 5 آب 2011 أليكس لانتير - ترجمة قاسيون 5 آب 2011

أسواق المال تتهاوى خوفاً من ركودٍ متجدد!

في الرابع من آب، هبطت مؤشرات البورصة في الولايات المتحدة وأوروبا وسط مخاوف متناميةٍ من هبوطٍ اقتصاديٍّ إضافي، إلى جانب أزمة دينٍ واسعة النطاق تظهر في أوروبا وتثير توتراتٍ عالميةٍ حول ضعف الدولار الأمريكي.

أغلق مؤشر داو جونز الصناعي على 4.3 بالمائة بانخفاضٍ مقداره 512.61 نقطة، وهو الهبوط الأكبر منذ الانهيار المالي في العام 2008. كما أنّ مؤشرات الأسهم الأخرى في الولايات المتحدة هبطت أكثر ـ خسر مؤشر نازداك 5.08 نقطة، وخسر مؤشر إس أند بي 4.78 بالمائة من قيمته. هنالك انحداراتٌ حادةٌ في كلّ قطاعات الاقتصاد، لكنّ الخسارات الأكثر حدةً طالت قطاعات المواد الخام والطاقة وعقود الدفاع وشركات السلع الرأسمالية.

من جانبها، هبطت الأسواق الأوروبية هبوطاً حادا بعد أن سجل مؤشر الأسهم الإيطالية أكبر الخسارات: 5.16 بالمائة. كذلك هبطت المؤشرات الفرنسية والبريطانية والألمانية والإسبانية بما يعادل أكثر من 3 بالمائة. كما هبطت أسهم المصارف بشدةٍ خشية تجدد أزمة الدين في أوروبا. 

مخاوف من انهيارات كبرى

وصفت أنباء داو جونز التعاملات في أسواق الأسهم والعملات والبضائع بأنها «شبه مذعورة». أوقفت بورصة ميلانو تداولاتها قبل ثلاثين دقيقة من موعد الإغلاق الرسمي، وعلق سوق نيويورك للأوراق المالية مؤقتاً تجديد بياناته الأوروبية في بورصات باريس وبروكسل وأمستردام ولشبونة.

هبطت أسعار النفط بحدة، كما تثير المؤشرات مخاوف من انهيارٍ في الأنشطة الصناعية والاقتصادية.

يخشى تجار النفط من أن يظهر تقرير العمالة في الولايات المتحدة، هبوطاً ملحوظاً في الاقتصاد الأمريكي. خفّضت أمريتا شين، محللة أسواق النفط لدى باركليز كابيتال، توقعاتها عن نمو الطلب العالمي للنفط من 1.56 مليون برميل يومياً إلى 1.1 مليون برميل، وأبلغت الفاينينشال تايمز: «في الوقت الراهن، تظهر أرقام الولايات المتحدة ضعفاً شديداً، وهي تؤثّر حقاً على المشاعر».

السياسات التي تتبعها الأرستقراطية المالية في أوروبا والولايات المتحدة ـ شنّ هجماتٍ واسعة على الطبقة العاملة، صفقة اقتطاع الميزانية الأخيرة في الولايات المتحدة البالغة 2400 مليار دولار ـ تفاقم الهبوط الاقتصادي العالمي. تقع اسبانيا وإيطاليا في قلب مخاوف تجدد أزمة الدين بالنسبة للحكومات الأوروبية بعد مؤتمرٍ صحفي عقده جان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي. قال تريشيه إنّ البنك المركزي الأوروبي سيشتري السندات الحكومية الأوروبية، مقدماً لقاءها نقوداً لتجنب الإفلاس. مع ذلك، تتصاعد الأسئلة: ما هو مقدار المبالغ التي سيقدمها البنك؟ ومن هي البلدان التي ستستلمها؟ أقرّ تريشيه أنّ قرار مجلس الحاكمين بشراء السندات الحكومية لم يكن إجماعياً ـ مفترضاً أنّ البنك قد يرفض تزويد الحكومات بمبالغ تمويلٍ ضخمة.

ذكرت أنباء بلومبيرغ ووكالة الصحافة الفرنسية أنّ «مصادر السوق» تتعامل مع تبادلات البنك المركزي الأوروبي ـ التي ظلت رسمياً سريةً ـ بقولها إنّ البنك كان يشتري السندات البرتغالية والايرلندية. وفقاً لتلك التقارير، لن تتلقى الحكومتان الإيطالية والإسبانية أموالاً من البنك.

عزّز رئيس البنك مطالب الأسواق المالية بتشديد الهجوم على الطبقة العاملة ـ داعياً ـ«لتجديد التزام رؤساء دول وحكومات منطقة اليورو بالتقيّد التام بالأهداف المالية المتفق عليها. بالنسبة للعديد من البلدان، يتطلب ذلك الإعلان عن إجراءات تقشفٍ إضافيةٍ وتنفيذها».

كان ذلك تحذيراً موجهاً بخاصةٍ إلى الحكومتين الإيطالية والاسبانية. أعلن رئيس الوزراء الاسباني خوزيه ثاباتيرو في الأسبوع الماضي عن إجراء انتخاباتٍ مبكّرة في شهر تشرين الثاني القادم، وسط احتجاجاتٍ متواصلةٍ في الشوارع على إجراءات التقشف الاجتماعي التي أعلنت عنها حكومته التي لم تعد تحظى بأية شعبية. من غير الواضح بعد إن كان ثاباتيرو سيقوم باقتطاعاتٍ اجتماعيةٍ إضافيةٍ أثناء فترة الانتخابات.

أما رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني، فقد أقرّت حكومته في الشهر المنصرم اقتطاعاتٍ مقدارها 79 مليار يورو من الإنفاق السنوي. وهي متصلةٌ  بإجراءات تمس العمال على نطاقٍ واسع مثل رفع سنّ التقاعد وزيادة أجور الرعاية الطبية واقتطاعاتٍ إضافيةٍ في الإنفاق الاجتماعي والثقافي.

مع ذلك، في الثالث من آب، وفي مواجهة معارضةٍ متصاعدةٍ في صفوف الطبقة العاملة الإيطالية، ألقى بيرلوسكوني كلمةً أعلن فيها أنه لن يقوم بمزيدٍ من الاقتطاعات في المستقبل. قال إنّ الاقتطاعات التي قام بها تعد كافيةً، وأضاف: «إنها ليست أزمةً إيطالية، بل هي على مستوى الكوكب... لن نتبع نزق الأسواق».

ردّ المستثمرون برفع معدلات الفائدة على سندات الحكومتين الاسبانية والإيطالية إلى 6.19 بالمائة بالنسبة للسندات الإيطالية و6.28 بالمائة بالنسبة للسندات الإسبانية ـ وهو مستوىً يهدد بدفع البلدين إلى حافة الإفلاس. تعاني إيطاليا من ديونٍ ثقيلةٍ مقدارها 1600 مليار يورو، وهو مبلغٌ أكبر بكثيرٍ من ديون بلدانٍ أصغر مثل اليونان وايرلندا اللتين تواجهان أزمة دينٍ منذ العام 2009. دين إيطاليا أكبر بما لا يقاس من رأس مال صندوق الاستقرار الأوروبي الذي يعادل 440 مليار يورو ومهمته إنقاذ الدول المأزومة. 

أوروبا تتضعضع!!

إن رفض البنك المركزي الأوروبي تمويل إيطاليا، فستحدث بالتالي أزمةٌ ماليةٌ حادة دون ريب: إفلاسٌ على نطاقٍ واسعٍ للدولة في إيطاليا أو ربما خروجها من منطقة اليورو بحيث تستطيع طباعة عملتها الخاصة بمعزلٍ عن البنك.

في الولايات المتحدة، سيخلق انهيار السوق الأوروبية مخاطر جديةً للاقتصاد الأمريكي ووضع الدولار، وسط توترٍ من نتائج تقرير العمالة الحالي.

كانت أرقام النمو الاقتصادي الأمريكي قد انخفضت بعد تعديلها إلى رقمين ضئيلين، 0.4 و1.3 على التوالي للربعين الأول والثاني لهذا العام. وانخفض الإنفاق الاستهلاكي بمعدل 0.2 بالمائة في شهر حزيران، وسط ضغوطٍ متواصلة لخفض أجور ووظائف العمال الأمريكيين. ونتيجةً للمفاوضات الأخيرة المتعلقة بالميزانية الفدرالية، يواجه العمال احتمال اقتطاعاتٍ كبيرةٍ في البرامج الاجتماعية الحاسمة ـ ومن ضمنها المساعدة الطبية والمساعدة الغذائية فضلاً عن الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ـ التي ستقوّض مواردهم وأوسع القطاعات الاقتصادية.

تظهر أعداد العاطلين عن العمل أسبوعياً، التي أعلن عنها الثلاثاء والتي تعادل 400 ألف عاطل، أنّ معدل البطالة لم يتحسن، إذ إنّ معدله السنوي لا يزال بحدود 9.2 بالمائة وفق الأرقام الرسمية. وجد تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس أنّ 42 بالمائة من الـ14.2 مليون عامل أمريكي عاطل عن العمل لم يقوموا بأي عمل منذ ستة أشهرٍ على الأقل، وأنّ الشركات ترفض الآن توظيف العاطلين عن العمل منذ زمنٍ طويل.

ارتفع الدولار مؤقتاً، جزئياً نتيجة الانخفاض المحدود لليورو بسبب الأنباء السيئة القادمة من أوروبا، لكنّه ارتفع إلى حدٍّ كبيرٍ بسبب المحاولات التي تقوم بها السلطات اليابانية والسويسرية لوقف التدهور السريع للدولار تجاه عملتيهما ـ نتاج السياسة الأمريكية الرعناء لخفض الدولار عبر معدلات الفائدة المنخفضة و«التسهيلات الكمية» (أي طباعة النقود التي تقدم لاحقاً للمصارف). لعبت هذه السياسة دوراً أساسياً في تحويل الثروة من الطبقة العاملة إلى وول ستريت بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية في العام 2008. كما أنها دمّرت اقتصادات بلدانٍ عديدةٍ أخرى، ومن ضمنها سويسرا واليابان. حيث ارتفعت قيمة عملتيهما بسرعة، بعد أن حاول مستثمرو الولايات المتحدة ومنطقة اليورو تجنب الخسارات باستثمار أموالهم في الين الياباني والفرنك السويسري المستقرين نسبياً. ما هدد، من ناحيةٍ أخرى بتقوض الصادرات اليابانية والسويسرية.

أبلغ المحلل المالي ماسافومي ياماموتو صحيفة الفاينينشال تايمز أنّ السلطات اليابانية قد تنفق أكثر من 39 مليار ين لشراء الدولارات من السوق العالمية، مع أنّ ذلك سيسمح لليابان بوقف ارتفاع قيمة عملتها لمدة شهرٍ واحدٍ فقط. كذلك تدخلت السلطات السويسرية لشراء الدولارات في الثالث من شهر آب، وأنفقت 50 مليار فرنك لترفع قيمة الدولار من مستوىً لا سابق له من الانخفاض مقداره 0.77 فرنك سويسري. أصدر البنك الوطني السويسري، الذي قام بعمليات الشراء، بياناً لاحظ فيه أنّ الفرنك السويسري كان «مفرط القيمة إلى حدٍّ كبير». وأضاف أنّ قوة الفرنك تنتج «تدهوراً أساسياً» في مشهد الاقتصاد السويسري.

أشار المحللون الماليون أيضاً إلى احتمال أن تؤدي سياسة تخفيض قيمة الدولار الأمريكية إلى انهيارٍ منفلتٍ للدولار وانهيارٍ ماليٍّ عالمي، حين تتبارى البنوك المركزية لشتى البلدان في خفض قيمة عملاتها.

أبلغ ستيف بارو من ستاندرد بنك الفاينينشال تايمز أنّه يرى إمكانية أن «يتسبب اضطراب الدولار أمام الين والفرنك السويسري بتهديد الاستقرار المالي العالمي، ولن يحدث امتصاص الفائض فقط في البنكين المركزيين الياباني والسويسري، بل في البنوك المركزية الأخرى أيضاً».