سيم ايرتور / ترجمة قاسيون سيم ايرتور / ترجمة قاسيون

وقائع حرب معلنة على إيران.. تصعيد الضغط الأنغلو أمريكي على تركيا لتسهيل العدوان

ستحاول هذه المقالة، بتغطيتها الفترة الممتدة بين آذار وحزيران 2008، إبراز الضغط السياسي الذي تمارسه حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا على تركيا، بصدد خططهما في شن حرب على إيران. وهي تكمل مقالة سابقة بعنوان «هل ستتواطأ تركيا في حرب أخرى على جار آخر؟»

«(الشرق الأوسط) مهيأ لمستقبل باهر... إنه مكانٌ مناسبٌ للإبداع والاكتشاف يقوده رجالٌ ونساءٌ أحرار.

في السنوات الماضية شاهدنا بدايات واعدة نحو هذه الرؤية. تركيا وهي أمةٌ غالبية سكانها من المسلمين، ديمقراطية وحديثة ومزدهرة. أما أفغانستان بقيادة الرئيس قرضاي، فقد تغلبت على الطالبان وتبني مجتمعاً حراً. كذلك يؤسس العراق بزعامة رئيس الوزراء المالكي ديمقراطيةً متعددة الإثنيات».

(الرئيس الأمريكي جورج بوش، (المنتدى الاقتصادي العالمي، شرم الشيخ 8 أيار 2008). 

كانت تركيا المحطة الأخيرة في جولة نائب رئيس الولايات المتحدة ديك تشيني في الشرق الأوسط في شهر آذار.

يمنح عرض الصحافة التركية للزيارة انطباعاً بأن السيد تشيني لم يتقدم بأية طلبات من الرئيس أو رئيس الوزراء أو رئيس الأركان تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط و/ أو أفغانستان. لا يبدو ذلك مقنعاً، آخذين بالاعتبار العدوانية الأنغلو أمريكية المتصاعدة بوضوح. في الواقع، تشير كل الدلائل منذ ذلك الحين إلى خلاف هذا الأمر.

بعد فترة قصيرة من زيارة تشيني، نشرت مؤسسة راند، مقرها أمريكا، تقريراً عن العلاقات الأمريكية التركية:

«نظراً لنمو العدالة في الشرق الأوسط، إضافة إلى التوترات الراهنة التي تشوب العلاقات الأمريكية التركية، ستعارض تركيا على نحو متزايد السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها في المستقبل، خاصة القاعدة الجوية الأمريكية في إنجرليك، للشروع بعمليات حربية في الشرق الأوسط، من غير المرجح أن تدعم تركيا السياسات الأمريكية الهادفة لعزل سورية وإيران أو إسقاط نظاميهما». 

تواصلت زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين بعد زيارة السيد تشيني. في نيسان، أبدى ممثل الولايات المتحدة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية غريغوري شولت ملاحظةً حول صاروخ إيران الباليستي شهاب ـ3:

«بوسع شهاب ـ3 أن يضرب معظم مناطق تركيا والشرق الأوسط، وستصل الصواريخ الأبعد مدىً إلى عمق أوروبا».

في الشهر التالي، وفي مؤتمر عقد في واشنطن، ردد السفير التركي في واشنطن نابي سنسوي كلام شولت:

«تدير إيران برامج نووية سرية منذ أكثر من عقدين، وهذه البرامج تهدد تركيا إضافة إلى الولايات المتحدة». 

زيارة الملكة إليزابيث الإمبراطورية

في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره التركي علي باباجان في لندن في شهر نيسان، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند:

«العلاقات الثنائية عميقة وممتازة ومليئة بالصداقة... لتركيا دور محوري في القضايا الإقليمية، مثل النزاع في العراق وما يتعلق ببرنامج إيران النووي».

في الشهر التالي، قامت الملكة إليزابيث الثانية برفقة السيد ميليباند بزيارة دولة إلى تركيا. في 13 أيار، ألقت كلمة أثناء مأدبة رسمية في أنقرة:

«بالنسبة لنا، فتركيا مهمة لنا اليوم كما كانت دوماً... خارجياً، تعد تركيا صلة الوصل بين الشرق والغرب في فترة حاسمة للاتحاد الأوروبي والعالم عموماً. (السيد الرئيس عبد الله غول)، أنتم تلعبون دوراً أساسياً في إشاعة السلام والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في بعض مناطق العالم الأقل استقراراً».

يشابه كلا التصريحين على نحو مثير خطاب طوني بلير قبل ثلاثة أشهر من الشروع رسمياً بغزو العراق:

«أعتقد أنها لحظة مهمة ومثيرة للاتحاد الأوروبي وتركيا، وأعتقد أننا نملك فرصةً تاريخية لإرسال إشارة واضحة بأن الاتحاد الأوروبي يريد تركيا ضمن الأسرة الأوروبية كشريك كامل».

مرةً أخرى، ووفق وسائل الإعلام التركية والعالمية، فزيارة الملكة هي مجرد زيارة ودية لا تحوي جدول أعمال آخر غير تأييد انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي واستماعها إلى تلاوة القرآن وهي تغطي رأسها في مسجد يقع في بورصة (وهي العاصمة الأولى للإمبراطورية العثمانية)، يحرك مشاعر أولئك المناهضين للدين بشدة.

وعلى نحو رمزي أيضاً، لكنه أكثر ظهوراً، استقبالها للرئيس عبد الله غول على متن حاملة الطائرات الملكية في اسطنبول. في الواقع، كانت السفينة البريطانية إليستريوس في طريق عودتها من عملية الجوزاء 2008، وهي تمرينٌ بحري دولي جرى في الخليج الفارسي للتدرب على حرب محتملة على إيران.

بالعودة إلى شهر تشرين الأول 2007، وقّع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ونظيره البريطاني السيد غوردن براون اتفاقية شراكة إستراتيجية بين البلدين. تظهر البنود التالية من تلك الوثيقة التشابه اللافت بين سياستي بريطانيا والولايات المتحدة تجاه تركيا:

«- التعاون المعزز في مواجهة التهديد الإرهابي الذي يشكله حزب العمال الكردستاني والقاعدة ومجموعات متطرفة أخرى.

 ـ دعم عملية مجلس الأمن المتعلقة بإيران، بما فيها التطبيق الكامل لكل الإجراءات المفروضة.

 ـ مزيد من التعاون بين القوات المسلحة التركية والبريطانية والدعم المتبادل في الناتو.

 ـ التعاون... لضمان تنفيذ الناتو الكامل للمطالب المتفق عليها في قمة ريفا 2006».

من المهم أيضاً تذكر ما قاله السيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني، ويعتبر غالباً خلفاً للسيد براون، في الذكرى الخامسة لغزو العراق في آذار 2003:

«أعتقد أن الحرب كانت نصراً بحد ذاتها. وهي تجري بصورة أفضل مما يتوقعه الكثيرون».

التصريح التالي قبل شهر يظهر موقفه الواضح من الحروب الانغلو أمريكية المحتملة:

«أعتقد أن النقاش حول حرب العراق غطى على النقاش المتعلق بإشاعة الديمقراطية حول العالم. أتفهّم الشكوك المتعلقة بالعراق وأفغانستان، والقلق العميق من الأخطاء المرتكبة. لكن حجتي، أنه لا ينبغي أن نترك الانقسامات حول تلك النزاعات تحجب مصلحتنا القومية، ليس مهماً دافعنا الأخلاقي في دعم الحركات الديمقراطية في التسعينات... بدا اليسار متضارباً بين الرغبة في تحقيق الهدف، وهواجس استخدام الوسائل العسكرية. في الواقع، يستوجب هدف نشر الديمقراطية مشروعاً متقدماً على نحو واسع. كما تحتاج الوسائل دمج الشدة واللين». 

انتقال الضغط الأمريكي إلى درجة أقصى

في مطلع حزيران، أصبحت «الاتفاقية الأمريكية التركية للتعاون المرتبط بالاستخدامات السلمية» سارية المفعول:

«تضع الاتفاقية إطاراً شاملاً للتعاون النووي السلمي بين تركيا والولايات المتحدة في ظل شروط الرقابة وعدم الانتشار المتفق عليها».

وفي الخامس من حزيران، أعلن البيت الأبيض تسمية مساعد مستشار الأمن القومي جيمس فرانكلين جيفري سفيراً في تركيا. وفي سياق إمكاناته المبكرة كمساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، كان للسيد جيفري دورٌ بارزٌ في تشكيل السياسة المتعلقة بالعراق، كما كان مسؤولاً عن مجموعة العمليات والسياسة المتعلقة بإيران وسورية ISOG  غير الفاعلة الآن :

«كانت مجموعة العمليات سيئة السمعة، التي أنشئت في مطلع العام 2006 وضمت مسؤولين من البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية ووزارة المالية، مهمتها زعزعة استقرار سورية وإيران وإحداث تغيير في نظامي البلدين».

في اليوم نفسه، وخلال زيارة للولايات المتحدة تضمنت أيضاً المشاركة في اجتماع بيلديربرغ (للمرة الخامسة)، عقد وزير الخارجية التركي علي باباجان ونظيرته كونداليزا رايس مؤتمراً صحفياً:

«سؤال: السيدة الوزيرة، ما الذي تتوقعينه من تركيا... زيادة الضغوطات على إيران بما يتجاوز عقوبات الأمم المتحدة؟

رايس: تلتزم الدول الأعضاء بتنفيذ شروط هذه القرارات واستخدام كل الوسائل الممكنة مع الإيرانيين لجعلهم ينفذون الالتزامات التي فرضها مجلس الأمن.

باباجان: تركيا ملتزمة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وطالما يقف المجتمع الدولي موقفاً موحداً، فإن تركيا ستلتزم كذلك بتلك القرارات».

في اليوم نفسه أيضاً، وعودةً إلى تركيا، وفي كلمة مفتوحة ضمن ندوة دولية عقدت في اسطنبول عنوانها: «الشرق الأوسط، مستقبلٌ غامض ومشاكل أمنية»، كان رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التركية يسار بايوكانيت أكثر صراحةً:

«حتى منتصف العام 2003 بنت إيران منشآت نووية، وأجرت عمليات تخصيب اليورانيوم دون علم وكالة الطاقة الذرية الدولية. ورغم مصادقتها على عمليات التفتيش، لكنها لم تقم بذلك في سياق دستوري. يتوجب على إيران البرهنة على أنّ برنامجها النووي مكرسٌ بالكامل للأغراض السلمية. سيمنع تبني إيران لسياسات عقلانية بروز مشكلات جديدة في المنطقة، وهو أمرٌ هام لإعادة السلام والاستقرار للشرق الأوسط».

إلا أن السيد بايوكانيت لم يكن صريحاً بصدد سؤال يتعلق بتقرير نشرته الصحف التركية مؤخراً يتطرق لخطط القوات المسلحة التركية الهادفة لتوسيع مدى «وحدات الحرب غير النظامية» التي تعمل كقوات مضادة «لحروب العصابات». يكشف التقرير عن «عمليات فائقة السرية تتعلق بطرائق القتال السري لاستخدامها في عملية تشارك فيها قواتنا المسلحة في حال انتهاك سلامة أراضينا من قوة معادية».  حيث أجاب السيد بايوكانيت:

«هذا مفهومٌ قديم يعود إلى حقبة الحرب الباردة ولم يعد صحيحاً: في سياق حلف الناتو ومعاهدة وارسو والناتو، في حال تعرض تركيا لغزو سوفييتي، كانت ستحدث مقاومة في الأراضي المحتلة. لم يعد ذلك قائماً الآن، ليست لدينا مثل هذه الترتيبات ولسنا بحاجة إليها في الوقت الراهن. في الواقع، من يمكن أن يرغب في غزو تركيا»؟

رغم اللهجة المراوغة، فمن الواضح أن السيد بايوكانيت يشير إلى البند الخامس في ميثاق الناتو  الذي ينص على وجوب تقديم أعضاء الحلف المساعدة لحليف يتعرض إلى هجوم. وفقاً لتقرير مؤسسة راند آنف الذكر فإن:

«تركيا هي العضو الوحيد في الناتو الذي يواجه مخاطر هجوم خارجي (سورية وإيران). لذلك فمن الأهمية بمكان أن يبقى البند الخامس (الدفاع الجماعي) جوهر مهام الحلف. والتشديد على معالجة الأزمة لا يعني إضعاف التزام الحلف بالدفاع الجماعي».

سواء تم الالتجاء إلى البند الخامس لتبرير حرب غير مقررة حتى الآن... فإن تقريراً آخر لمؤسسة راند نشر في العام 1992 يظهر كم هي قديمةٌ وراسخة مثل هذه الدعاية:

«برهنت حرب الخليج (1991) وعواقبها، وعززت التصور الواضح للطموحات الإقليمية والترسانات المنتشرة عبر الحدود التركية، ناهيك عن الأخطار المتنامية لأسلحة الدمار الشامل... يشكل احتمال انبعاث العراق مجدداً وما يفرضه من تهديد تقليدي وغير تقليدي على تركيا مصدر قلق واضح في ضوء دور تركيا البارز في التحالف المناهض للعراق... قبل كل شيء، تواجه تركيا مخاطر أمنية من إيران على المدى البعيد نظراً لطموحات إيران في أذربيجان واهتمامها الشديد بالتقنيات النووية والصاروخية، ومن سورية... ستبقى الولايات المتحدة في إطار العلاقات الثنائية وعبر دورها في الناتو أفضل ضمان لأمن تركيا في ما يتعلق بمجمل المخاطر التي تواجهها في المدى البعيد...».

في السابع عشر من حزيران، أوردت صحيفة حريات التركية الحدث التالي:

«زار السفير الأمريكي (الأسبق) في تركيا روس ويلسون وزير الطاقة (حلمي غولر)، وطلب منه إيقاف مشاريع الطاقة في إيران، رفض الوزير الطلب معللاً ذلك بالافتقار إلى مصدر بديل. وحين اقترح ويلسون شراء الطاقة من العراق، عبّر الوزير التركي عن تشاؤمه بأن يصير العراق بديلاً، مشيراً إلى أن العراق ليست لديه احتياطيات من الغاز. وقال: «عصفور في اليد خيرٌ من عشرة على الشجرة». في معرض رده، قال السفير ويلسون: «في فترة قصيرة، قد يحترق العصفور والغصن الذي يقف عليه».

بعد يومين، وفي مقابلة مع صحيفة أكسام التركية، زعم السفير الإسرائيلي غابي ليفي أن أسلحة إيران تهدد الشرق الأوسط برمته.

من جانب آخر، وفي مقابلة أخرى مع الصحيفة نفسها، قدّم عضو الكونغرس الأمريكي مارك كيرك وجهاً مختلفاً من المعلومات الزائفة، هدفها تخفيف قلق الجمهور التركي وشكوكه المتزايدة. وجادل بأن أهمية تركيا تناقصت بمعدل 90 بالمائة منذ رفض الاقتراح المقدم إلى البرلمان في آذار 2003 (السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية لمهاجمة العراق). وعندما وجه إليه سؤال عما تتوقعه الولايات المتحدة من تركيا في حال شن هجوم على إيران، أجاب:

«تتوقع الولايات ألا تتدخل تركيا في هذا الشأن، تماماً كما هو حال بلجيكا»

في غضون ذلك، تتابع الولايات المتحدة سيرورةً سياسيةً بلغت طورها الأخير، تقوم على تحذير الطيف السياسي التركي برمته لكي يعمل وفق القواعد المتبعة. وثمة محاولةٌ حثيثةٌ لضمان وجود حكومة كلية الإذعان قبل الشروع بالحرب الأنغلو أمريكية التالية على إيران، وربما على سورية.

21 حزيران 2008

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 17:44