مقابلة مع وزير الدفاع الفنزويلي السابق «على فنزويلا تحديد موقفها من الصراع الرأسمالي العالمي وتبعاته»
كانت بدايته مع الثورة البوليفارية في فنزويلا التي انطلقت في الأكاديمية العسكرية، حينما كان طالباً، وكان الرئيس الراحل، هوغو تشافيز قائداً، وكان له تأثيراً بالغاً عليه. وبناءً على تأثره بتشافيز، انضم إلى الحركة الثورية البوليفارية، ليشارك في التمرد الرابع في شهر شباط من عام 1992، الذي قاده تشافيز. إنه وزير الدفاع الفنزويلي السابق، ميغيل توريس، الذي يرى اليوم أنه لا بد من وقفة نقدية مع التجربة «التشافيزية».
منذ ربع قرن، جرى تعيين توريس كضابط في الاستخبارات العسكرية، وهذا هو المكان الذي بدأت تتشكّل فيه هويته السياسية، إذ عينه تشافيز مسؤولاً عن تنظيم اللجان البوليفارية في السجون، حيث كان لدى الحركة لجاناً بوليفارية في أنحاء كاراكاس والمنطقة المحيطة بها جميعها. وقد تحولت اللجان البوليفارية في وقت لاحق إلى دوائر بوليفارية، ليصبح توريس المنسق العام لهذه الدوائر، جنباً إلى جنب مع ديوسدادو كابيلو، الذي كان آنذاك رئيس أركان تشافيز.
خلال الانتخابات الأولى التي خاضها تشافيز، هل لك أن تقول لنا ما كان الهدف؟ ما هو هدف الثورة البوليفارية حينذاك؟
كان واضحاً بالنسبة لنا أن أول شيء نريد القيام به هو الدعوة إلى التجمع الدستوري، لوضع دستور جديد وإنشاء مؤسسات جديدة من شأنها أن تضع حداً للفقر في البلاد. وتمثلت الأهداف الأخرى بوضع حد للفساد. وكان أول مرسوم وقعه تشافيز هو مرسوم إجراء استفتاء على جمعية دستورية. أما معظم الأهداف الأخرى فقد وردت في الوثيقة التي قدمناها للشعب عام 1992، ولم تتغير كثيراً، إذ كنا قد شرعنا بمناقشة بنودها منذ عام 1986.
لم نتحدث في حينه أبداً عن الماركسية أو الاشتراكية، ولا عن اليمين أو اليسار. قدمنا أنفسنا فقط كحركة بوليفارية. أما مشروع الاشتراكية فقد اتخذناه في وقت لاحق على ذلك التاريخ. وقد تلخصت الأفكار التي دعمناها في هذا المشروع بأفكار القادة التاريخيين الفنزويليين الثلاثة: سيمون بوليفار، وأستاذه سيمون رودريغيز، وزعيم الفلاحين ايزيكيل زامورا. هذا هو النبع الذي نهلنا منه، وبالطبع كما ترون، هو خاضع للتفسير بطرق عدة. قلنا أننا مناهضون للإمبريالية، وهذا هو الشيء الذي لم يكن غريباً عن جيشنا الذي أظهر حماسة في سبيل الاستقلال.
لقد قلت في السابق أن لديك انتقادات على الحركة البوليفارية، والتي قد لا تكون موضع ترحيب، نريد أن نعرف هذه الانتقادات؟
على سبيل المثال، لطالما كنت انتقد مصادرات الأملاك في الريف. ليس بسبب فكرة المصادرة نفسها، بل بسبب ما تلاها. لقد كنا متسرعين بعض الشيء، فقد كان هناك مزارع مثمرة للغاية، وعندما صودرت في بعض الأحيان كان الاعتقاد يسود بأنها سوف تنتج آلاف الغالونات من الحليب وآلاف الكيلوغرامات من اللحوم، إلا أنه وغالباً بعد فترة 6 أشهر من المصادرة، كان ينخفض الإنتاج بشكلٍ حاد.
أعتقد أن السياسة بشكل عام كانت صحيحة، كإعادة توزيع الأراضي، لكن الطريقة التي جرى فيها التنفيذ لم تكن كذلك. لسوء الحظ، وقعنا في الأخطاء مراراً وتكراراً.
في السنوات القليلة الأولى من رئاسة الرئيس مادورو كنت وزيراً للداخلية. لكن بعد ذلك خسرت منصبك، ما هو السبب في ذلك؟
لا يمكنني التخمين لأنهم لم يعطوني سبباً لذلك. هناك من قال أن هناك قطاع من التشافيزية كان يتآمر ضدي لأنني متهم بالتآمر ضد الرئيس. وقال آخرون أنني كنت أهاجم التجمعات الحزبية. وتمت مناقشة العديد من الأمور المماثلة، لكن الرئيس مادورو لم يعطني سبباً لذلك أبداً.
حالياً تؤكد الحكومة أن سبب المشاكل التي تحدث الآن هي ناتجة عن الحرب الاقتصادية ضد فنزويلا، وعوامل خارجية مثل أسعار النفط، والسياسة الأمريكية والإمبريالية.. إلخ. كل هذا لا شك أنه موجود، لكني مهتم بمعرفة إن كان هناك سياسات حكومية ساهمت في الوضع الحالي؟
التفكير بأن المشاكل التي نعاني منها حالياً هو ليس سوى نتيجة للحرب الاقتصادية هو محض كذب أو وهم. إن اقتصادنا لديه تشوهات خطيرة في مجال الاقتصاد الكلي، ووضع الميزانيات، وأسعار الصرف. أما المشكلة الرئيسية التي نواجهها فهي ما يجب علينا القيام به إزاء معدل أسعار الصرف، والآليات التي يجب على الحكومة أن تتحكم بها، وليس المعارضة.
هناك قطاعات اقتصادية مختلفة في البلاد، ومن مختلف الفاعلين، يقولون إن سعر الصرف بحاجة إلى تصحيح، وهذا يجب أن يجري بقرار من الحكومة. وعلى أرضية الأخطاء التي نقوم بها، هناك رجال أعمال يطورون أنشطة عدائية فيما يتعلق بالاقتصاد الوطني لأسباب سياسية. ويجب الاعتراف بأن هناك قطاعات من المعارضة وطبقة رجال الأعمال تحاول منذ عام 1998 تقويض العمل الحكومي، وهي تجد أن الظروف اليوم ملائمة جداً لها.
وسأقول لك شيئاً جرت مناقشته مع العديد من الاقتصاديين وأنا لم أقله في أية مقابلة أخرى، إن سياسة خفض إنتاج النفط لدينا من أجل الحفاظ على الأسعار مرتفعة ليس لها أي معنى. سأوضح لماذا. أنظروا إلى الدول الأعضاء في منظمة أوبك في السنوات العشرة الماضية كيف زادت كل منها من الإنتاج النفطي الخاص بها بشكل مفرط وملحوظ. وباستثناء فنزويلا، فقد وجد العلماء من جميع أنحاء العالم مصادر للطاقة البديلة. أنا واثق أننا في الخمسين عاماً المقبلة سوف نجد مصادر طاقة جديدة ستحل محل النفط. أما نحن، فلدينا احتياطيات نفطية من المقرر ان تستمر 300 عام على مستويات الإنتاج الحالية.
لذا أسأل نفسي، ما الذي سنفعله إذا حافظنا على النفط للسنوات الـ300 المقبلة؟ سوف يضيع النفط بالحالات كلها. إننا بحاجة إلى وضع سياسات جديدة من شأنها أن تزيد الإنتاج لدينا، والبحث فيما يجب القيام به في المستقبل، والاستثمار في العلم حتى نتمكن من إنتاج المنتجات والبتروكيماويات التي تعتمد على النقط، أي أن نجد منتجات للمستقبل.
ومن العوامل الأخرى التي نحن بحاجة إلى أخذها في الاعتبار هي مسألة الخطاب. إن الخطاب لا ينتج أي شيء مادي، إلا أنه ينتج الثقة. علينا الاعتراف أن القطاع الخاص لدينا هو جبان، كما في العالم كله، أنا أرى أن الحكومة الآن تحاول أن تعيد الحياة إلى بعض قطاعات الاقتصاد، لكن ما يحدث هو أنه اليوم تكون الحكومة تتفاوض مع بعض القطاعات الخاصة، وفي اليوم التالي يصدر خطاب يصف القطاع الخاص بأنه متآمر وعميل.. إلخ. يجب أن يكون لدينا سياسة محددة الأهداف. إما المضي في الخطاب حتى النهاية وقصم ظهر القطاع الخاص ورجال الأعمال، لا سيما المعارضين التابعين لواشنطن، وإما التفاوض مع القطاع الخاص على حل وسط.. أما التخبط الحالي فسيبقي البلاد في حالة من عدم الحسم التي تؤدي إلى الانهيار، وليس هذا ما نريده. أعتقد أن المسألة يجب أن تحسم فكرياً أولاً، ومن ثم عملياً. يمكنني القول أن هناك نقصاً في هويتنا الأيديولوجية واتجاهاتنا الاقتصادية. لا يمكن للدول اليوم أن تكون ما بين بين، يجب أن تحدد موقفها من الصراع الرأسمالي العالمي وتبعاته.
ماذا تعني اشتراكية القرن الواحد والعشرين بالنسبة لك؟
بالنسبة لي، إن اشتراكية القرن الواحد والعشرين ستكون المجتمع الذي يوجد به دولة قادرة على رسم حدود تدخلها في ما هو ضروري وجذري من العوامل الاقتصادية، دولة تفهم أهمية مكافحة الفقر، وبناء مجتمع جديد عادل. وتحتاج اشتراكية القرن الواحد والعشرين إلى أن تكيف نفسها مع متطلبات اليوم، ومع تكنولوجيا اليوم. وهذا هو الواقع الذي يجب أخذه بعين الاعتبار من أجل التحويل والتغيير في فنزويلا وفي العالم. أنا أؤمن أنه لا يجب أن نكون بدائيين ونحظر وسائل الإعلام الخاصة، بل أن نكون منافسين شرسين ضدها، وأن نعمل في اتجاه إنتاج عالي الجودة، لأن هذا ما ينتظره الناس.