«الطلبية» التي خلقتها واشنطن في شرق أوروبا

«الطلبية» التي خلقتها واشنطن في شرق أوروبا

نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تحقيقاً موسعاً يتحدّث عن قيام دول أوروبا الشرقية بتمرير صفقاتٍ سرية تجاوزت قيمتها مليار يورو، لبيع أسلحة خلال السنوات الأربع الماضية إلى دولٍ في الشرق الأوسط، معروفٌ بأنّها تقوم بشحن الأسلحة إلى جبهات القتال في سورية واليمن.

تحدث التحقيق عن آلاف البنادق وقذائف الهاون وقاذفات الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات والرشاشات الثقيلة التي جرى توجيهها- عبر خطّ أسلحة جديد من دول البلقان إلى شبه الجزيرة العربية والدول المجاورة لسورية. وأبدى التقرير شكوكاً حول إرسال أغلب هذه الأسلحة إلى سورية، بحيث يتمّ استخدامها لتغذية الحرب هناك.

أعد التحقيق فريق من الصحافيين التابعين لـ«شبكة التحقيق الصحافي في البلقان- BIRN»، و«مشروع تقارير الفساد والجريمة المنظّمة- OCGRP». وتناول بيانات تصدير الأسلحة وتقارير الأمم المتحدة، كما حاز معدّوه على مسارات الطّائرات المحمّلة بالذّخائر والأسلحة، والبحث في عقود الأسلحة من خلال تحقيقٍ استمر عاماً كاملاً لكشف كيفيّة إرسال الذّخائر شرقاً، من البوسنة وبلغاريا وكرواتيا وتشيكيا ومونتينيغرو وسلوفاكيا وصربيا ورومانيا إلى دول الشرق المتوسط.

ومنذ تصاعد وتيرة الحرب في سورية في عام 2012، وافقت الدول الثماني على إرسال ذخائر وأسلحة بقيمة مليار و200 مليون يورو إلى السعودية والأردن والإمارات وكذلك تركيا، والتي تُعدّ أسواقاً رئيسية لبيع الأسلحة في سورية واليمن.

ويتحدث التحقيق عن قيام تلك الدول بمنح التراخيص لتصدير الأسلحة «على الرغم من مخاوف الخبراء، والمخاوف الّتي يبديها البعض في تلك الحكومات، حول إمكانية وصول تلك الأسلحة إلى سورية»، موضحاً أن في الأمر خرقاً للاتفاقيات الوطنية والدولية ومعاهدات الاتحاد الأوروبي وغيرها من الاتفاقيات الدولية، مع الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من تلك الأسلحة والذّخائر حديث الصنع، إذ يعود إلى العام 2015. وهذا ما يرجح فرضية استمرار خط الأسلحة إلى الأراضي السورية واليمنية من دول البلقان حتى اللحظة.

كيف بدأ الأمر؟

في شتاء عام 2012، تم افتتاح خط الأسلحة. حيث قامت عشرات طائرات الشحن المحملة بأسلحة وذخائر تعود إلى حقبة يوغوسلافيا السابقة والتي اشتراها سعوديون، بمغادرة ميناء زغرب باتجاه الأردن. وبعد فترةٍ وجيزة، انتشرت لقطات حول وجود أسلحة كرواتية في سورية.

نفت الحكومة الكرواتية ضلوعها بشحن أي سلاح إلى سورية، إلا أنّ السفير الأمريكي في سورية بين العامين 2011 و2014، روبرت فورد، أكد أن زغرب شهدت اتفاقاً لنقل الأسلحة بتمويل سعودي.

لم تشكل تلك الحادثة سوى البداية. قام بعدها تجار الأسلحة في أوروبا الشرقية بشراء الأصول من حكوماتهم، وقاموا بالتوسط لبيع الأسلحة من أوكرانيا وبيلاروسيا.

وينقل التحقيق عن بياناتٍ صادرة عن الاتحاد الأوروبي وعن مصادر حكومية أن حكومات أوروبا الشرقية وافقت على أسلحة وذخائر بقيمة 86 مليون يورو، ليتم نقلها- وفق تعهدات أمريكية- إلى السعودية. وفي تلك الفترة، حصل الأردن على تراخيص أسلحة بقيمة 155 مليون يورو، في حين حصلت الإمارات على ما قيمته 135 مليون يورو، وتركيا 87 مليون يورو، ليصل المجموع بذلك إلى أقل بقليل من مليار و200 مليون يورو.

مسار نقل الأسلحة

استطاع معدو التحقيق تحديد مسار انتقال الأسلحة من دول أوروبا الشرقية، وتعداد الرحلات الّتي تم فيها نقل أسلحة- بوسائط أمريكية- من تلك الدول إلى دول الشرق المتوسط المذكورة في التّحقيق، وذلك بناءً على معلومات وردت من تلك الحكومات أو من قبل الاتحاد الأوروبي نفسه.

تصدرت صربيا اللائحة بعدد رحلات بلغ 42. تسعة وعشرون من تلك الرحلات وصلت إلى جدة في السعودية، بينما وصلت ثماني رحلات إلى أبي ظبي في الإمارات. رحلةٌ واحدةٌ إلى الشارقة، وأخرى إلى الأردن.

ومن سلوفاكيا إلى الشرق الأوسط 17 رحلة نقل ذخائر وأسلحة. 16 منها إلى السعودية، وواحدة إلى الأردن. ومن بلغاريا إلى الشرق المتوسط سبع رحلات، ستّ منها إلى الأردن وواحدة إلى أبي ظبي.

ويتحدّث التّقرير عن إحصاءاتٍ زوده بها الاتحاد الأوروبي تكشف قيام طائراتٍ من بلغاريا وسلوفاكيا بتسليم آلاف الأطنان من البضائع المجهولة منذ صيف 2014، إلى القواعد العسكرية نفسها التي أشار إليها التحقيق في السعودية.

كما يكشف التحقيق مسار توجيه الأسلحة التي يتم شراؤها من قبل السعوديين والأتراك والأردنيين والإماراتيين وإرسالها إلى سورية، متحدثاً عن مركزين قياديين يدعيان «مراكز العمليات السرية» في الأردن وتركيا. ويتم بعد ذلك نقل الأسلحة إلى سورية براً أو جواً عبر استخدام طائراتٍ عسكرية.

للولايات المتّحدة الحصة الأكبر في التحقيق. إذ يوثق معدّوه ثلاث رحلاتٍ بحرية غادرت البحر الأسود، منذ كانون الأول عام 2015 باتجاه سورية. وقد تمّ تكليف تلك السّفن من قبل قيادة العمليّات الخاصّة «سوكوم»، المسؤولة عن الإمداد السري للأسلحة إلى سورية، بحسب وثائق المشتريات الأميركية وبيانات تتبع السفن.

أما آخر سفينة استأجرتها الولايات المتحدة، فقد غادرت بلغاريا إلى جهةٍ مجهولةٍ في البحر الأحمر في 21 حزيران. وكانت السفينة محملة بحوالي ألف و700 طن من المدافع الثّقيلة والرصاص وراجمات الصّواريخ والأسلحة المضادة للدبابات وقذائف الهاون والقنابل اليدوية وغيرها من المتفجرات.

المواجهة استراتيجية وليست محلية

تتضمن تلك التقارير تفاصيل أسلحة وذخائر مرسلة إلى سورية، مصدرها يوغوسلافيا السابقة وبيلاروسيا وأوكرانيا وتشيكيا. ويذكر التحقيق شهادة تصدير سلاح صدرت في كانون الثّاني من العام 2015، تم بموجبها منح شركة سلوفاكية الإذن بنقل آلاف الصواريخ والأسلحة الثّقيلة وحوالي مليون رصاصة تساوي 32 مليون يورو باتجاه أوروبا الشرقية.

وبالرغم من أن العدد الدقيق للأسلحة التي تم نقلها إلى الشرق المتوسط غير معروف، إلا أن التقارير المُعدة من قبل الأمم المتحدة وتقارير تصدير الأسلحة المحلية تكشف أنّ معظم الأسلحة المستخدمة في سورية، هي تلك التي كانت مخزنة في أوروبا الشرقية خلال الحرب الباردة، والتي جرى نقلها إلى سورية بإدارة أمريكية، وعبر وسطاء من أوروبا الشرقية.

وإن كان ذلك يشير إلى شيء، فإنه يشير إلى زيف الادعاءات التي تقول بأن «المؤامرة على سورية» هي خليجية فقط، أو أن السعودية هي من تتحكم بزمام الأمور. على العكس من ذلك، لا يلعب الجانب الخليجي أكثر من دور محدد مرسوم له من قبل الولايات المتحدة، حيث أن تلك الأخيرة هي من تتحكم باللعبة التي تخوضها ليس ضد هذا البلد أو ذاك، بل ضد خصومها الاستراتيجيين على رقعة المواجهة الكبرى التي تجري مع روسيا والصين وحلفائهما.