السلاح الصامت.. التحكم الخفي بالاقتصادات والمجتمعات (2-2)
بما أنّ الأغلبية في المجتمع لا يتمالكون أنفسهم أمام الاستهلاك، لذلك هناك خياران فقط لضبط وتقليص المنظومة التأثيرية الاقتصادية بهدف استمرارها، واستمرار تحكمها بالاقتصادات والمجتمعات:
1 ـ فسح المجال أمام الناس كي يقتلوا بعضهم بعضاً في الحرب، ولكن هذا الخيار قد يؤدي في النهاية إلى القضاء على الحياة على الكوكب.
2 ـ أخذ زمام المبادرة والتحكم في العالم باستخدام «السلاح الصامت» الاقتصادي على شكل «حرب هادئة»، وتقليص التأثيرية الاقتصادية حتى المستوى غير الخطر، من خلال العملية «الطوعية»، والعبودية، والإبادة الجماعية.
سري للغاية!
تم اعتماد الخيار الثاني لأنّه دون شك هو الأكثر ملائمة، ولكن يجب أن يكون واضحاً بالنسبة للذين كرست هذه الوثيقة لهم لماذا يجب أن يبقى «السلاح الصامت» سرياً للغاية. سيمتنع المجتمع بشكل كامل عن رفع قدراته العقلية وثقته بالمحبة الإنسانية. لقد حلت مرحلة تكاثر المتوحشين، وبشكل مجازي أصبحت مرضاً على جسم الأرض.
تشكل أنواع الصناعة الثلاثة: المالي، والإنتاجي، والحكومي ثلاثة أقسام مستقلة للصناعة البحتة (رأس المال، والبضائع، والخدمات)، وتؤثر بسهولة لأنّها تملك بنية منطقية منتهية، لذلك من السهل تصوير العمليات في هذه الأنواع الثلاثة من خلال عوامل (ثوابت) التحويل الرياضية والتقنية سهلة التحديد. لا يمكن قول الشيء نفسه عن الصناعة من نوع الحاجات أو ما يسمى بالسرفيس.
نموذج الحاجات
تتلخص المعضلة التي تواجه الاقتصاديين النظريين في أنّه من الصعب التنبؤ بخصائص وميزات المستهلكين في أي مجال، أما العوامل (الثوابت) التقنية فهي غير خطية، ومعقدة، وتتعلق بشكل وظيفي بالدخول، والأسعار وغيرها..
يمكن للمعلومات الكمبيوترية التي نحصل عليها نتيجة استخدام عمليات تصنيف البضائع ونسبتها إلى المستهلكين من خلال بطاقة الائتمان، أن تسهل المهمة بشكل ملموس، إلاّ أنّ هذه الطريقة غير متوفرة ليس فقط على المستوى العالمي بل وعلى المستوى المحلي الإجمالي أيضاً. للتعويض عن مثل هذا النوع من مشكلات المعلومات، تم اعتماد طريقة غير مباشرة، المعروفة بالتجريب الاقتصادي عن طريق الصدمات. تضع هذه الطريقة المستخدمة في الطيران، معطيات إحصائية استاتيكية في متناول اليد.
يعني استخدام ما ورد أعلاه في الاقتصاد، أنّ جميع المستهلكين في منطقة واحدة، أو في جميع أنحاء البلاد ينظر إليهم كمجموعة وليسوا أفراداً أو شخصيات مستقلة. يستخدم السلوك الجماهيري خلافاً للسلوك الفردي لتحديد قيم العوامل (الثوابت) التقنية، التي تفضي إلى وضع النموذج (الموديل) الافتراضي للحاجات (الاستهلاك).. أحدى طرق تحديد الثوابت التقنية هي القفزات في زيادة الأسعار على بضاعة واحدة، مع عدم إجراء أية تغيرات على البضائع الأخرى.
التجريب الاقتصادي بالصدمات
في الماضي، كان استخدام تحليل مبادئ تأثير الأفعال لدراسة الاقتصاد، واضحاً لكل من فهم مبادئ التجريب بالصدمات.
يحدث نبض الصدمة عند إطلاق الطلقة ـ في تجربة الصدمة في الحجرة الجوية ـ أمواجاً في الجملة، تعطي معلومات للمهندسين الجويين، وبفضل هذه المعلومات يحددون أية أقسام يمكن أن تبدأ بالذبذبة مثل وتر الغيتار، وتتحطم في النتيجة.
يتوصل الاقتصاديون إلى النتائج ذاتها عند دراسة المستهلكين، واختيار بضائع الاستخدام من الدرجة الأولى، مثلاً، اللحم، السكر، القهوة، والبنزين، ويغيرون فجأة أسعارها بشكل قفزة، مما يؤثر على ميزانية أي فرد، وعلى القدرة الشرائية والعادات.
تجمع المعلومات بعدئذ حول نتائج موجة الصدمة، عن طريق مراقبة وتحديد التغيرات في نشرة الإعلانات، الأسعار وحجم مبيعات البضاعة المختارة والبضائع الأخرى.
الغاية من مثل هذا النوع من الدراسات الحصول على وصفات للتحكم بحركة الاقتصاد الاجتماعي، وحتى التحكم بحالة التدمير الذاتي التي يمكن أن تقنع المجتمع بأن يمنح بعض «الخبراء» إمكانية التحكم بالمنظومة النقدية، والعودة إلى العمل بالسرية على الجميع (بدلاً من الحرية والثقة). عندما يفقد المواطنون مقدرتهم على القيام بأعمالهم المالية، يصبحون (طبعاً) عبيداً بشكل كامل، أو يصبحون مضطرين قوة عمل رخيصة.
لا تقتصر التجارب بالصدمات على البضائع والأسعار فقط، بل ويمكن أن تجرى على العمل أيضاً. يمنح الإضراب عن العمل نتائج رائعة للتجارب بالصدمات، خاصة في بعض القطاعات الهامة، مثل المواصلات، والاتصالات، والاقتصاد الخدمي (الطاقة الكهربائية، مياه الشرب، والمنافع العامة) وغيرها...
بمساعدة التجارب بالصدمات، تم اكتشاف أن حركة الكتلة النقدية في الاقتصاد تتعلق مباشرة بالتصورات النفسية وردات فعل الجماهير الشعبية المرتبطة بهذه الحركة.
مثلاً، توجد علاقة بين رفع أسعار البنزين واحتمال أن يظهر وجع الرأس عند الإنسان، أو أن يذهب لرؤية فيلم رعب، أو أن يدخن سيجاراً، أو أن يذهب إلى البار لتناول الجعة.
من الممتع ملاحظة أنّه عند دراسة وقياس الطرق الاقتصادية التي يحاول الناس عن طريقها التخلص من مشاكلهم، والهروب من الواقع، تظهر إمكانية برمجة الكومبيوتر بمساعدة دراسة مبادئ التأثير، للتنبؤ بأكثر حلقات الصدمات احتمالاً وضرورة للوصول إلى حالة التحكم بالمجتمع وطاعته. وهكذا يجري الوصول إلى المجتمع المطيع من خلال طاعته للاقتصاد الوطني: «الشجرة المهتزة»...
مدخل إلى المقويات الاقتصادية
المقويات الاقتصادية ـ هي المركبات الفعالة في الاقتصاد التقني. تكمن الميزة الأساسية لمقوي (ميكانيكي أو كهربائي أو اقتصادي) في الحصول على إشارة ما للدخول ونقل الطاقة من مصدر مستقل للطاقة إلى المخرج في انسجام تام مع الميزة الحسابية الانتقالية بالنسبة لإشارة الدخول.
الشكل المبسط للمقوي الاقتصادي ـ هو المنظومة التي تسمى بالدعاية.
إذا تحدثوا مع إنسان يافع في التاسعة عشرة من عمره عبر الدعاية التلفزيونية، وهو بفضل ثقته سيتفاعل باحتمال ما مع الدعاية، ويصرف فعلاً شيئاً من مدخراته، أي يقحم طاقة لشراء المواد المعروضة.
يمكن أن يكون لدى المقوي الاقتصادي عدة مداخل وعدة مخارج. يمكن تصور الشكل التخطيطي للمقوي الاقتصادي على نمط الصمام، إذا كانت الميزة من نوع «اذهب» أو «لا تذهب»، ويمكن أن يتصف بميزة الناقلية البارامترية (المقياسية) المحددة بمصفوفة (قالب) ذات تصور للمصادر الداخلية للطاقة.
مهما كان الشكل الذي يظهر فيه، فإنّ الغاية منه هي توجيه الطاقة من المصدر إلى المخرج، وفق العلاقة الانتقالية بالنسبة لإشارة المدخل. لذلك يدعى المقوي بالعنصر أو المركب الفعال.
تصنف المقويات الاقتصادية في طبقة تدعى ـ الاستراتيجية، بالمقارنة مع المقويات الكهربائية، تدعى ميزاتها الداخلية منطقية، وليس كهربائية.
إلاّ أنّ المقويات الاقتصادية لا تستخدم من أجل تأمين التقوية في القدرة وحسب، بل ومن أجل التأثير على البنية الاقتصادية.
عند تصميم المقوي الاقتصادي يجب أخذ خمسة عوامل على الأقل في الحسبان:
-1 وجود إشارات الدخول التي يسهل الوصول إليها..
2 - نتائج الخروج المطلوبة..
3 - الهدف الاستراتيجي..
4 - قدرة المصدر الاقتصادية التي يسهل الوصول إليها..
5 - الإمكانية المنطقية.
اكتسبت عملية تحديد وتقييم هذه العوامل، وكذلك إدخال مفهوم المقوي الاقتصادي في المنظومة الاقتصادية اسماً مشهوراً: «نظرية اللعب»!
تحويل الانتباه
الاستراتيجية الأولية
برهنت التجربة أنّ أبسط نموذج للنوع السري من «السلاح الصامت» وتعزيز الرقابة على المجتمع ـ هو إبقاء المجتمع غير منظم ولا مبالياً حيال المبادئ الأساسية للمنظومة، من جهة، وفي الوقت نفسه إبقاؤه مضللاً، غير منظم، ومشوشاً حتى في علاقته مع أتفه الأشياء، من جهة ثانية، ويتم التوصل إلى ذلك على النحو التالي:
1- تحويل تفكير الناس، واللامبالاة حيال المقدرات العقلية، والمحافظة على مستوى متدن من التعليم في منهاج الرياضيات، والمنطق، وتصميم النظم والاقتصاد، وعدم إعارة أي انتباه للاختراعات التقنية.
2- إقحام الجوانب الانفعالية والشعورية للناس، عبر تعزيز صبرهم ورباطة جأشهم في المجال الانفعالي والشعوري والبدني، عن طريق:
آ - تجربة الضغط والإذلال الانفعالي (العنف الانفعالي والشفوي) عن طريق الدعاية المستمرة للجنس، والعنف والعدوان والحرب في الوسط الاجتماعي، خاصة عبر التلفزيون ووسائل الإعلام.
ب - إعطاء الناس كل ما يشتهونه عن طريق الفائض: «البضاعة الرخيصة بالنسبة للعقل»، بصرف انتباههم عمّا هم بحاجة إليه في الواقع العملي.
3 - إعادة كتابة التاريخ والقانون والحقوق واهتمام المجتمع بالإبداع، وصرف نمط تفكيرهم عن الحاجات الواقعية والحرفية إلى تلك المفبركة والفارغة والمزورة.
يصرف ذلك اهتمام الناس عن اكتشاف «السلاح الصامت» والتكنولوجيا الاجتماعية للتحكم الآلي.
القاعدة الأساسية للتحكم: حققوا أكبر إنجاز وفائدة من التضليل، فكلما زاد الضلال والتشويش كان ذلك أفضل، وبالتالي أفضل طريق للتحكم: اصنع المشكلات، واقترح أنت بالذات حلولاً لها.
مصادر طاقة التقوية
الدرجة التالية في عملية بناء المقوي الاقتصادي هي البحث عن مصادر الطاقة. مصادر الطاقة التي تدعم أية منظومة اقتصادية فطرية (بدائية)، طبعاً هي مصادر الطاقة وموافقة الناس على العمل بالمقابل، مع عرض بعض المراتب، أو المناصب، أو الطبقة في البنية الاجتماعية. أي العمل في مستويات مختلفة من سلم المراتب الاجتماعية.
يتم ضمان دخل لكل شريحة في مستوى هذه الطبقة، ومراقبة الشرائح الموجودة في الأسفل، أي يخضع الجميع لسلم مراتب البنية الطبقية. يؤمن ذلك الاستقرار والأمان، وتبقى الحكومة بالطبع، في القمة دائماً.
بما أنّ الوقت يجري، وتتحسن العلاقة بين من هم فوق ومن هم تحت، ويتحسن التعليم بشكل مستمر، لذلك تصبح عناصر الطبقة الدنيا أكثر معرفة واطلاعاً حسب إرادة ورغبة ومصلحة الطبقة العليا. لكن تبدأ الطبقة الدنيا أيضاً في إظهار المعرفة في مجال منظومات الطاقة والاستعداد لاختراق درجات الطبقة الأعلى، مما يهدد استقلال النخبة.
إذا استمرت محاولات الطبقة الدنيا بالصعود إلى الأعلى لفترة طويلة، فإنّ النخبة ستتوصل إلى أفضليات جديدة في مجال الطاقة، ولن تبقي على العمل بموجب الاتفاق على (نقطة) تتجاوز مصدر الطاقة.
حتى ذلك الحين الذي يتم فيه تحديد موافقة الناس، عن طريق السيطرة، على العمل ومنح الآخرين إمكانية تنظيم مصالحهم، يجب أن يبقوا دائماً في حقل الطاقة، وإلاّ فيمكن للجماهير أن تخترق عبر الممر النهائي، مصادر الطاقة الواقعة تحت سيطرة النخبة.
من الضروري ملاحظة أنّه في زمننا الراهن، مازالت الموافقة الاجتماعية مفتاحاً ضرورياً لاستخدام الطاقة في عملية التقوية الاقتصادية، وبالتالي سنبقى ننظر إلى الموافقة لاحقاً كآلية لاستخدام الطاقة.
البنية السياسية للأمة: التبعية
السبب الأولي الكامن وراء إقامة مواطني البلاد للبنية السياسية هو الرغبة الباطنية واللاشعورية في إطالة حالة رابطتهم (تبعيتهم) التي عاشوها في طفولتهم. بلغة أبسط، إنّهم يريدون أن يحصلوا على الإنسان ـ الإله الذي يحميهم من أي خطر في الحياة، ويحملهم بيديه، ويقبل كدماتهم، ويقدّم لهم فرّوجاً في كل وجبة غداء، ويلبسهم، ويضعهم في الفراش ليلاً، ويهدهدهم قائلاً لهم: إنّ كل شيء سيكون جيداً عندما يستيقظون غداً صباحاً.
إن طلب المجتمع هذا غير واقعي، لذلك يصطدم الإنسان ـ الإله، أي السياسي، مع اللاواقعية واعداً بكل شيء من دون أن يحقق شيئاً. وهكذا، من الذي يكذب أكثر؟ المجتمع؟ أم «الإنسان ـ الإله»؟ (ملاحظة من المؤلف: كيف لا نتذكر هنا نبوءة ف.م. دوستيفسكي القائلة بقيادة قاضٍ من ديوان التفتيش «معذب» للمجتمع، والذي سيقود الناس مثل المنومين مغناطيسياً والمحطمين إلى فتات نحو الموت الروحي والجسدي المحتم).
إنّ مثل هذه القيادة للمجتمع هي الاستسلام، المولود في الرعب والخوف، والكسل والموافقة. إنّها أساس الرخاء والرفاه كسلاح استراتيجي يستخدم ضد المجتمع «الشنيع المقرف».
الفعل، الهجوم، المسؤولية
أغلبية الناس مستعدون لقتل من يقتحم حياتهم، لكنّهم لا يريدون التخلي عن المبادئ الأخلاقية والدينية التي تظهر نتيجة ذلك. لذلك فهم يتخلون عن الأعمال القذرة للآخرين، (بما في ذلك أطفالهم) كي لا تتلطخ أيديهم بالدماء. إنّهم يهزؤون من التعامل اللاإنساني مع الحيوانات، ومن ثم يتناولون وجبة شهية من الهامبرغر، بعيداً عن المسالخ في الضواحي، وبعيداً عن مدى النظر. يدفع أكثر النقاد الضرائب في المجتمع السياسي، بعدئذ يتذمرون من فساد الحكومة.
أغلب الناس يريدون حرية التصرف، وفي الوقت نفسه يخافون المسؤولية.
يتم التعبير عن الخوف من الخطأ في منح المسؤولية الذاتية للآخرين، عندما يشك في النجاح، أو إن لم يكن الإنسان مستعداً لاعتماد الالتزامات (القوانين). يريد الناس تدعيم مكانتهم، وسمعتهم، لكنّهم يخافون المسؤولية والالتزام. بهذا الشكل يستأجرون السياسيين ليتحمل هؤلاء مسؤولية الحياة الواقعية للمجتمع. والنتيجة المرجوة هي:
1 ـ الحصول على الأمان مع عدم اهتمامهم به.
2 ـ اقتراف الأخطاء دون التفكير بها.
3 ـ التسبب بالضرر، والمهانة والموت للآخرين مع عدم التفكير بالحياة أو الموت.
4 ـ التهرب من المسؤولية عن التصرفات الخاصة.
5 ـ الحصول على ثمار وفوائد الحياة والعلم من دون تقديم أي جهد في المنهاج والانضباط أو التعلم.
يمنح الناس السياسيين السلطة لإقامة وتأمين الآلية العسكرية لتحقيق الأهداف التالية:
1 ـ تأمين وحماية حياة الأمة.
2 ـ مقاومة العدوان على مصالح الأمة.
3 ـ القضاء على الأعداء الخارجيين للأمة.
4 ـ القضاء على المواطنين داخل البلاد الذين يعرقلون استقرار الأمة.
يدعم السياسيون العديد من مهام العمل المسلح، أدنى مستوى رجال الشرطة والذين هم عملياً جنود، ورجال القانون والمخابرات الذين هم عملياً عملاء ومخربون، والقضاة الذي يصدرون الأحكام، ويبقون دائماً في علاقة لصيقة مع العسكريين. الجنرلات هم الصناعيون. يتقاسم مستوى قيادة «الرئاسة» كبار أصحاب البنوك. يعلم الناس أنّهم هم بالتحديد من صنع (هذا الفارس) وهذه المهزلة، ويدفعون لها ضرائبهم (الموافقة) وهم من سيخضع لها أكثر من المنافقين والانتهازيين.
خلاصة التحكم
وهكذا يتبين أن الأمة مقسومة إلى قسمين حقيقيين: قسم الأمة المطيع (الأغلبية الهادئة)، وقسم الأمة السياسي. يبقى قسم الأمة السياسي مرتبطاً بقسم الأمة المطيع، الذي يتحمله حتى ذلك الوقت الذي يصبح فيه قوياً لدرجة التحرر منه.
وهكذا، وكما يتبين، فإن النورانيين دقيقون إلى أقصى حد في تقييمهم: «الناس (غير المتنورين) ـ قطيع» بالنسبة لهم، ويحق للنخبة أن تستخدمهم في مصلحتها وحسبما ترى ذلك مفيداً وضرورياً.
من أجل سهولة قيادة الحشود، يجب تفكيكها، إبقاؤها في الحضيض، حرمانها من التعليم، ومن مشاعر الحب والتعاضد، وتدمير الأسرة كخلية أولى في المجتمع. لأنّه عندما يكون الإنسان في حالة اضطراب وبلبلة، ولا يملك المقياس الدقيق للحقيقة، يمكن بسهولة تضليله، بخضوعه لإرادته الشريرة، وهذا ما نراه بشكل جلي في المجتمع المعاصر.