إغلاق السجون السرية.. هل يمكن تصديق إدارة أوباما؟
تنصّ القوانين التي وقّع عليها الرئيس أوباما في 22 كانون الثاني المنصرم على إغلاق مركز الاحتجاز في غوانتانامو، والسجون السرية التي أقامتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في العالم. وقد عدّت هذه القوانين في ذلك الحين نهايةً لكابوسٍ ودخولاً إلى عهدٍ جديدٍ في حماية الحقوق والحريات الأساسية. وقد ابتهجت منظمات الدفاع عن حقوق الأفراد وهي ترى في هذه المبادرة من الإدارة الجديدة خطوةً في الاتجاه الصحيح..
وفق منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، تتواجد السجون السرية في المغرب والعراق وأفغانستان وأوروبا الوسطى والشرقية، ولاسيما في بولونيا ورومانيا وعلى أراضي يوغوسلافيا السابقة، وكذلك في القرن الإفريقي، وعلى السفن. وفق منظمة العفو الدولية، «بلغ عدد الأشخاص المحتجزين سراً خارج أي إطارٍ قانوني على يد سلطات الولايات المتحدة نحو 70 ألف شخص» في شهر آب 2005.
لكن هنالك موجبٌ للتمحيص في الوقائع التي ستحدث في الأشهر القادمة، لأنّ ما بدا وكأنه خبرٌ حسنٌ قد لا يتوافق إلا مع تعديلٍ طفيفٍ لممارسات الأعوام الأخيرة. وبالفعل، إذا استندنا إلى الأقوال التي أدلى بها الأسبوع المنصرم مدير السي آي إيه ليون بانيتا، وإذا ما توقّعنا إمكانية تفاقم «الحرب العالمية على الإرهاب» في سياق تدهور البيئة الاقتصادية الشاملة لمعسكرات احتجاز الإرهابيين المزعومين، فلربما تعدّ تلك المعسكرات ضروريةً وربما تتواصل إجراءات الاستجواب وفق بروتوكول جديد.
لا تشير المعطيات التي قدّمها مدير السي آي إيه إطلاقاً إلى السجون السرية أو إلى المعسكرات الأخرى التي ربما تقع على أراضي الولايات المتحدة أو على سفنها، ما يمكن أن يدفعنا للتفكير في أنّ هذه المؤسسات ستواصل العمل على حساب قواعد القانون الأساسية لتحقيق العدالة. علاوةً على ذلك، ذكر أنّ سجناء قادمين من السجون السرية التي سيتم إغلاقها ربما ينقلون إلى سجون الولايات المتحدة، لكنّه بقي صامتاً حول أساليب التحويل وحول السجون التي ستستقبلهم وحول شروط الاحتجاز.
الإجراءات غير الشرعية في الاعتقال والتعذيب والإدانة دون محاكمة والتي وضعتها وطورتها إدارة جورج دبليو بوش بدءاً من العام 2001 ستمنع وفق هذه القوانين وتوقف. لكن هنالك موجبٌ لطرح بعض الأسئلة الأساسية. هل سيخضع إجراء الوقف لتأكّدٍ مستقلٍ أم أنّه سيتمّ بسريةٍ تامة؟ من سيحاكم الفرقاء، ولاسيما الدول التي شاركت مشاركةً غير شرعية في اعتقال الإرهابيين المزعومين وآوتهم على أراضيها؟ ما هو المصير المقدّر للمقاولين ولعملاء السي آي إيه الذين ارتكبوا جرائم حرب؟ من سيحاكم أعضاء إدارة بوش الذين لم يتوقفوا بكلّ إدراكٍ عن دعم هذا الانتهاك للحقوق الأساسية المسجلة في بنود المعاهدات الدولية؟
مدير السي آي إيه أكد أنّ الوكالة «ستحتفظ بالحق في احتجاز أفرادٍ لمددٍ قصيرة وبأسلوبٍ مؤقت». نحن نتوقع تسليم كل شخصٍ نحتجزه إلى السلطات العسكرية أو لبلده الأصلي، وفق الوضع. تواصل السي آي إيه ملاحقة القاعدة وتفرعاتها بشراسة.
وفق الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، تواصل الولايات المتحدة رفض حظر التعذيب حظراً تاماً في كل المناطق التي تسيطر عليها بحكم الواقع، وحتى إذا لم تعد الولايات المتحدة تمارس التعذيب كما يقول أوباما، فسوف تتمكن دائماً من تمويل وتأهيل وتجهيز وتقديم الاستشارة لممارسي التعذيب الأجانب، والحرص على ألا تقلقها أو تقلق مقاوليها العدالةُ الدولية أو المحلية. نحن إذن أمام عودةٍ للوضع القائم، أي لنظام التعذيب الذي بدأ مع فورد وتواصل في عهد كلينتون وأدى عاماً بعد عام إلى مزيدٍ من الآلام في سنوات بوش/ تشيني.
دون أي شك، ستكون معالجة إشكالية إغلاق سجن غوانتانامو والسجون السرية التابعة للسي آي إيه في الخارج معياراً شديد الحساسية في تقييم سلوك إدارة أوباما، مثلها في ذلك مثل معالجة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. يبدو لنا منذ الآن أنّ هذه الوصفة لا تشكّل إلا سراباً في الصحراء، وأنها تعكس جيداً أسلوب الحكم المخطط له لتلميع صورة الإمبراطورية.
هل ستترجم النوايا الحسنة العامة التي عبّر عنها الرئيس أوباما والمسجلة في المراسيم في الواقع، أم أنها ستنسى تدريجياً لتترك المكان لأولوية مبدأ المصالح العليا للأمة أو للمزايا المقدسة للإمبراطورية؟
• جول دوفور أستاذ في الفلسفة
رئيس الجمعية الكندية للأمم المتحدة