النقابات بين الهبوط والصعود

النقابات بين الهبوط والصعود

لا يزال الواقع العمالي في البلاد يعيش تحت وطأة التهميش، وضعف بنية النقابات الطبقية، مترافقاً مع تراجع الدور الوظيفي للاتحاد العام لنقابات العمال، الذي من المفترض أن يكون خط الدفاع الأساسي عن حقوق العمال ومطالبهم.

عانت الحركة النقابية — وما زالت — من تراجعٍ كبير في فاعليتها وتأثيرها بين صفوف العمال منذ أكثر من نصف قرن. فقد أُفرغت النقابات من دورها الوظيفي، وتحوَّلت إلى بوقٍ من أبواق السلطة السائدة، حتى أصبحت كياناتٍ شكليةً لا تستطيع تمثيل العمال تمثيلاً جدياً، أو حتى مناقشة التحديات التي تهدد مستقبلهم، أو التأثير في السياسات العامة المتعلقة بمصالحهم، سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية.

من جهتها، تعاملت الحكومات المتعاقبة مع الملف العمالي من زاوية أمنية بحتة، عبر التدخل المباشر في الانتخابات النقابية، وتعيين الكوادر الأكثر ولاءً لها، دون أي آفاق أو رؤية استراتيجية تراعي التحولات في واقع العاملين بأجر وحتى في الصناعة الوطنية. وهذا ما عمَّق هشاشة وضع العمال والصناعة الوطنية بشقيها - العام والخاص - التي أصبحت في خطرٍ محدقٍ دون حماية.

وفي داخل كل تنظيم نقابي - بما فيه العمالي الخاضع لهذه السلطات - تنمو شريحة من النقابيين لا تنتمي إلى الطبقة العاملة ولا إلى الطبقة الحاكمة، تلعب دوراً يضمن بقاء العمال تحت السيطرة من جهة، ويسهم في تمرير سياسات السلطة بأقل التكاليف من جهة أخرى.

هذه الشريحة النقابية هي نتاج موضوعي لطبيعة الاستغلال؛ فهي تنمو وتتكاثر حين تتخلى المنظمة النقابية عن أدواتها الكفاحية، ويُفرَّغ النضال من محتواه السياسي. عندها تتحول النقابة إلى ما يشبه الجمعية الخيرية، ويصبح الكادر النقابي أشبه بموظفٍ إداريٍ منه بمناضل.

لقد كانت هذه الشريحة أدواتٍ فعالةً في كسر النضال العمالي، حيث وقفت ضد الإضرابات التي نظمها العمال في منشآت مثل «زنوبيا» وغيرها، وساومت على الحقوق، وروَّجت لسياسات الخصخصة تحت ذرائع مثل «التشاركية» أو «قانون الاستثمار» أو «إعادة الهيكلة». كما ساهمت في تدخل السلطات التنفيذية في شؤون النقابات. وبعد سقوط السلطة السابقة، عاد بعض هؤلاء إلى المشهد بوجوه جديدة ويافطات مختلفة، بينما ظل جوهر مشروعهم كما هو: إخضاع النقابات للسلطة الجديدة، سواءً باسم «المرحلة الانتقالية» أو «الاستقرار».

هذه الشريحة لا تحيا إلا على تناقضات العمال، ولا تزدهر إلا بتراجع الديمقراطية النقابية. وظيفتها تتلخَّص في طمس الخلافات بين العمال وأرباب العمل، وإعادة إنتاج نقابة شكلية تُستدعى عند الحاجة لتهدئة إضراب أو تبرير قرار مجحف.

أما النقابة المناضلة الحقيقية، فلا تتحرك بقرارات مفروضة من الخارج، بل تستمد شرعيتها من قواعدها، لا من رضى السلطة. عليها ألا تخاف من الصراع الطبقي، وأن تعمل على تطهير نفسها من هذه الشريحة المتطفلة، لأن صراعها معها لا يقل أهمية عن صراعها مع أرباب العمل - سواءً كانوا دولةً أو قطاعاً خاصاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235