العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة ممر إجباري لأجور عادلة
ليست الأجور قضية سياسية أو اقتصادية فحسب، بل ترتبط بمجمل العلاقات في المجتمع باعتبارها الدخل الأساسي للغالبية من السوريين، والتي تحدد علاقاتهم بالمجتمع على حسب مستوى دخلهم الشهري.
فسياسة تجميد الأجور التي اتبعتها الحكومات السورية المتعاقبة السابقة والحالية مع الاستمرار بتخفيض قيمتها من خلال إلغاء الدعم وانسحاب دور الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتحرير الأسعار عن قصد وبنية وتخطيط مسبَقَين حسب توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سواء بالقطاع العام أو الخاص، أدت إلى تهجير السوريين وخاصة فئة الشباب منهم وشملت الهجرة أصحاب الاختصاصات المهنية كافة، والكفاءات العلمية والقوى العاملة.
أما من لم يحظَ بفرصة هجرة أو سفر وإن استطاع الحصول على فرصة عمل فإنه يعمل بأجر لا يسد سوى 3% من الاحتياجات الأساسية للمواطن السوري، وبهذا الأجر لا يستطيع أي شاب بناء مستقبله وتأمين حياة كريمة، أو الإقبال على الزواج، مما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع بشكل مخيف، وأصبح العزوف عن الزواج أو تأخيره قدر المستطاع قراراً يُفرض على الشباب اتخاذه، وانخفضت تبعاً لذلك معدلات الولادة.
ذكرت عدة تقارير لمنظمة الأمم المتحدة أن غالبية السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض الناتجة عن سوء التغذية عند الأطفال نتيجة انخفاض الدخل إلى مستويات مخيفة، وبات المجتمع السوري مهدداً بانتشار مجاعة حقيقية وانتشار الأمراض المزمنة.
هذا عدا عن انتشار ظاهرة التسرب من التعليم وارتفاع معدلات هذا التسرّب، حيث يضطر الأطفال لترك مقاعد الدراسة والالتحاق بسوق العمل بسن مبكرة جداً لمساعدة ذويهم في تأمين احتياجات العائلة. ونتيجة لانخفاض الأجور اتجه الأطفال إلى العمل في مجالات السوق السوداء كبيع الخبز على الطرقات والمحروقات والدخان أو افتتاح بسطات متواضعة على أرصفة العاصمة لبيع الشاي والقهوة.
ومن أهم الآثار السلبية لسياسة تجميد الأجور انتشارُ العمل الأسود والجريمة في المجتمع وخاصة داخل فئة الشباب، بسبب عدم كفاية الأجور من خلال التوجه نحو العمل بتجارة المواد الممنوعة من مخدرات وحشيش وحبوب الكبتاغون والتسول والتهريب والدعارة والسرقة، حيث بات الكثير من الشباب والشابات يلجؤون إلى هذه الأساليب السوداء لأنها تدر أرباحاً أكبر بكثير من العمل المأجور في أي مجال، ومن المعلوم أن انتشار ظاهرة الجريمة في المجتمع يعني عملياً انهيار المجتمع وفساده، والذي لن نتخلص من آثاره إلى عقود قادمة، وخاصة أنه يدمر حياة جيل كامل من الشباب ويقوده نحو الهاوية.
جميع النتائج المأساوية التي ذكرناها أعلاه تعود إلى سياسة تجميد الأجور وإلغاء الدعم وتحرير الأسعار، ولكن الواقع يؤكد أنه ليست هناك الإرادة السياسية والخطة الحقيقية لإنقاذ المجتمع من هذه الأمراض وتجنيبه عوامل الانهيار الكامل المفترض استنادها إلى مبدأ التوزيع العادل للثروة والعدالة في توزيعها بين أصحاب الأجور والأرباح، وهذا يحتاج إلى توفر موازين قوى حقيقية على الأرض تستطيع انتزاع التغيرات المفترض حدوثها السياسية والاقتصادية والديمقراطية ليتمكن الشعب المقهور من تقرير مصيرة وبناء دولته التي تحقق مصالحه الجذرية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1229