التطورات القانونية للإضرابات العمالية
ظهرت الطبقة العاملة في مختلف بلدان العالم خلال مراحل وأوقات زمنية وظروف مختلفة عن بعضها بعضاً. حسب الظروف والخصائص الخاصة التي ساهمت بتطور الصناعة في هذا البلد أو ذاك. وتشابهت ظروف عمل العمّال القاسية في كلّ البلدان، وخاصة في عدد ساعات العمل الطويلة وفقدانهم للطبابة، والأمن الصناعي، والأجور المنخفضة إلى ما دون متطلبات واحتياجات الوضع المعيشي للعامل وأسرته.
منذ القرن التاسع عشر ظهر نضال العمال الطبقي، وأصبح ظاهرة عالمية، بعد أن كان ضمن الحدود المحلية بحسب ما كان يتطور اقتصاد الرأسمالية. وظهر تأثير الحركة العمالية العالمية، في كل البلدان الرأسمالية بما فيها دول الأطراف حتى اليوم. وبرزت كقوة أممية كبيرة موحدة، خلال نضال طويل.
تعتبر الثورة الصناعية ذات أهمية خاصة بالنسبة للحركة العمالية العالمية، وارتبطت بها بشكل مباشر. وكونت الشكل الواضح لتلك الطبقة الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي. أخذت الإضرابات العمالية زخمها وتزايدت أعدادها، وأصبحت سمة أساسية من المشهد العام في الثلاثينيّات من القرن التاسع عشر، ليبدأ الإضراب الأكبر على مستوى بريطانيا، في مناجم الفحم بستافوردشاير، وامتد ليشمل بريطانيا بأكملها. قام بالإضراب آنذاك أكثر من 500 ألف عامل.
إنّ التطوّرات القانونية للإضرابات العمالية في الدول الرأسمالية في القرن 19، نلاحظ أن أغلب القوانين مرّت بعدّة مراحل...
- المرحلة الأولى: بداية القرن 19 صدرت القوانين التي تجرّم الإضراب وتحرم كلّ أشكال التجمعات العمّالية التي تطالب برفع الغبن والاستغلال عن العمّال من قبل رأس المال.
- المرحلة الثانية: مع استمرار الطبقة العاملة بنضالاتها دون هوادة من أجل رفع الضيم والحد من الاستغلال الوحشي، بالاحتجاجات المختلفة ومنها الإضرابات والمظاهرات. في أواسط القرن 19، ظهرت بعض القوانين التي تعترف بالإضراب لكن عملت على تكبيله والحد منه من خلال إجراءات معقَّدة، وعقوبات صارمة لأيّ خلل مهما كان بسيطاً.
- المرحلة الثالثة: الطبقة العاملة استمرت بنضالاتها وكانت تخوض إضرابات ومظاهرات ضخمة، هزت عروش السلطات الرأسمالية في تحدٍّ صارخ لكل الإجراءات القمعية من سجون واعتقالات، بما فيها التسريح من العمل، حتى بدأت هذه السلطات الرأسمالية تشعر بالخوف من قيام ثورات عمالية في العديد من الدول الأوروبية. وهي من المراحل ذات الأهمية الخاصة بالنسبة للحركة العمّالية العالمية، حيث كونت الشكل الواضح لتلك الطبقة الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي، وأطلق على الطبقة العاملة في الأدبيات السياسيّة والاقتصادية الاجتماعية «البروليتاريا المعاصرة». ممّا فرض على الدول الأوروبية الرأسمالية إعادة النظر بتلك القوانين ومسائل الحريات النقابية. وتضمّنت التشريعات والقوانين الاعتراف الدستوري للعمّال بالحق بالإضراب عن العمل وتشريعه بقوانين العمل في إطار مواد خاصة أقل سطوة وقسوة وكان ذلك أواخر القرن 19.
ارتبط نشوء النقابات العمّالية بظهور البروليتاريا الصناعية، ونضالها الطبقي ضد البرجوازية، وكانت المهمّة الأساسية للنقابات الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة المعيشية، وحمايتها من الاستغلال، والضمان الاجتماعي، وبيئة عمل سليمة من خلال الصحة والسلامة المهنية، والأمن الصناعي، وغيرها من القضايا.
مع بداية القرن العشرين ازدادت قوة الحركة العمالية والنقابية، خاصة بعد ثورة أكتوبر الروسية عام 1917 وانتهاء الحرب العالمية الأولى، فظهرت منظمة العمل الدولية عام 1919 جامعةً أطراف الإنتاج الأساسية في العالم الممثّلة للعمال وأصحاب العمل والحكومات، بهدف تطوير علاقات العمل وتحسين ظروف العمل وتحقيق العدل الاجتماعي. وصدر عنها العديد من الوثائق بين اتفاقيات عمل وتوصيات مختلفة تتعلق بحقوق العمال وشؤون العمل، وفرض حق الإضراب كتشريع دستوري على الصعيد الدولي من خلالها. وعندما عصفت الأزمة الرأسمالية في ثلاثينيّات القرن العشرين، ووصول الفاشية والنازية كما في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا وحكومة فيشي الفرنسية، حاولت التخلّي عنه لكن تمت العودة للاعتراف الدستوري بالحق في الإضراب وتحقيق مكتسبات تشريعية للحركة العمّالية نتيجة نضالها الطبقي وتغير موازين القوة لصالحها بعد الحرب العالمية الثانية. وأصبح حقّ الإضراب مكسباً تاريخياً انتزعته الطبقة العاملة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1223