معايير العمل الدولية وسلطة ما بعد الفَرار
الحقَّ في العمل، بما يعنيه من توفير وإيجاد فرص العمل والتشغيل، وهو من أوائل الحقوق التي أقرتها الشرائع الدولية واعتبرته حقًا لا بدّ لكلّ إنسان أنْ يتمتع به، وهو لا يقل أهمية عن الحق في الغذاء وغيره من الحقوق الأساسية للإنسان. ومن هذه الشرائع الدولية اتفاقيات منظمة العمل الدولية وتوصياتها الصادرة عنها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
لذلك على الدولة توفير العمل لجميع المواطنين القادرين على العمل، وصيانته دستورياً، على أساس تكافؤ الفرص، ودون أيِّ نوعٍ من أنواع التمييز. وبات واجباً على الحكومات أنْ تعمل بالتعاون مع شركائها كافة في سوق العمل، على خلق فرص عمل جديدة بما يتناسب مع عدد الداخلين إلى سوق العمل من كلّ الاختصاصات. وينبغي عليها أن تضع تلك الخطط والسياسات لإحداث فرص عمل جديدة، لتشغيل طالبي العمل في سوق العمل، على قاعدة العدالة وتكافؤ الفرص للجميع. وهذا يحتاج لسياسات اقتصادية جديدة مختلفة عن تلك السياسات التي كانت تنتهجها حكومات السلطة الفارَّة، أي أنّنا بحاجة إلى استراتيجية وطنية تؤمّن مصالح البلاد والعباد، وتساهم في توسيع ودعم القطاعات الإنتاجية القادرة على استيعاب عمالة كبيرة. وليس الفصل والطرد التعسّفي، تحت مسمَّيات وحجج أقلّ ما يقال عنها إنها غير مسؤولة، ودعم القطاع الخاص. وعلى عاتق النقابات العمالية الضغط والتأثير في حماية العاملين من الطرد أو الفصل من العمل مما يساهم في خفض نسبة البطالة، وكذلك توفير الحماية القانونية للعمال، والحماية الاجتماعية.
ومن هذه الاتفاقيات الاتفاقية رقم 122 لعام 1964 التي أقرّتها منظمة العمل الدولية بشأن سياسة العمالة التي تدعو إلى تعزيز العمالة الكاملة، التي يختارها طالب العمل بكل حرية، كما تهدف إلى توفير فرص عمل لكل طالبي العمل، وتسهيل الحصول عليها، وحمايتها قانونياً، وتوفير أفضل فرصة ممكنة لشغل الوظيفة التي تناسب قدرات طالب العمل ومؤهّلاته، بحيث يكون هذا العمل مناسباً له بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الاجتماعي. وصدرت التوصية رقم 169 لعام 1984 المكمّلة لهذه الاتفاقية، والتي أكّدت أهمّية وضع السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لنهوض بالعمالة الكاملة والمنتجة، وينبغي أنْ تهدف إلى ضمان المساواة في الفرص وسهولة الحصول على العمل والتدريب والترقّي في المجال المهني.
أما الاتفاقية رقم /168/ الخاصّة بالحماية من البطالة والنهوض بالعمالة، التي صدرت عام 1988، فقد أكّدت بأنّ على الدولة أنْ تتّخذ التدابير المناسبة لنظام الحماية من البطالة فيها، وأنْ يسهم هذا النظام في تعزيز العمالة الكاملة وزيادة العمّال المحميّين، وعلى الدولة أنْ يكون من أولويّة أهدافها النهوض بالعمالة الكاملة، بجميع الوسائل المناسبة، كخدمات التوظيف والتدريب والتوجيه المهني، بما فيها الضمان الاجتماعي، ووضع برامج تعزّز إمكانيات العمالة المنتجة، وإيجاد العمل بحرّية، وذلك بتذليل الصعوبات في العثور على عمل دائم. إنّ لجوء أصحاب العمل في القطاع الخاص إلى فصل العامل عن العمل فصلاً تعسفياً ودون مسوِّغ قانونيّ أو تعويضٍ مناسب لما قدمه هذا العامل من خدمات، هي ممارسة غالباً ما تجري بعيداً عن القانون وأعين مديريات العمل، وعن التنظيم النقابي، رغم وجوده شكلاً أحياناً في هذه المنشأة. وهذا الفصل عن العمل الذي لا يكون له علاقة بأداء العامل أو تقصيره في عمله، ويا للأسف الشديد هذا ما قامت به سلطةُ ما بعد الفرار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1221