«منعيش ومنشوف»
من أين نبدأ؟ من معاناة استمرت ثلاثين يوماً في رمضان، أم من عيدٍ طرق أبواباً خلفها عائلاتٌ تعاني ما تعانيه من فقر وقهر وحرمان، هلْ قُدِّرَ على الطبقة العاملة وسائر الكادحين أنْ يبقوا بحالة انحدارٍ بلا مُستَقَرّ، أمَا مِن نهايةٍ لهذا المنحدر إلّا قاع الهاوية؟
عامٌ بعد عام وعَقدٌ إِثر عَقد تتهدّم البنى الاجتماعية وتُحاصَر الأرواح وتُحصَد العائلات بمناجلِ الفقر والعوز. تغيب العدالة وتترك الطبقة العاملة لمصيرها، تُنهَشُ حُقوقها، وتُسلبُ إرادتها من السلطات الفاسدة والقوى النافذة وتوحُّش رأس المال، تدفع أثمان الاستبداد السياسي الطبقي والاقتصادي الاجتماعي، يصيغون لها عالَمَها المفصَّل على قياس مصالحهم وثرواتهم عالماً ضيّقاً مغلقاً ورطباً، لا يكاد يُحصَّلُ فيه ما يملأ الأمعاء ويحفظ الكرامات ويحيي الآمال. عالَمٌ من الإحباط والتأييس والتهميش. لكنهم أغفلوا ما أغفله غيرهم في التاريخ البعيد والقريب؛ بأنّ كل ذلك غفلةٌ من التاريخ لا أكثر، فالمستقبل لهؤلاء المعتقلين في أقبية التخويف والتفقير والإقصاء، مستقبَلٌ يرتقون فيه لعالَم أفضل وقريباً غير بعيد.
ما إنْ انتهى شهر رمضان حتى أطلَّ عيد الفطر على الطبقة العاملة برجالها ونسائها وعائلاتها في مرحلة من أشد المراحل خطورة وقسوة وفوضى. ولا يعلم غير الله كيف مرّت عليهم أيّام الصوم وهم موزّعون بين البطالة والتعطيل والفصل وقلّة العمل وشحيح الأجور، فلا أحد بخير؛ فعمّال القطاع العام سواء من بقي على رأس عمله أو فُصِل أو أعطي إجازة مأجورة، عانوا خلال رمضان من شحّ الموارد أو انعدامها. ولا تكاد الأجور -إن وجدت- تغطّي ثمن الطعام والمواصلات، ولا نظن بأنّ المسؤولين من جهة، والطبقات المكدِّسة للأرباح من جهة أخرى، يهتمّون بما أصابَ الأغلبية الطبقية الكاسحة في البلاد، رغم كل التفاصيل اليومية الظاهرة للعيان التي تفقأ عين إبليس من شدة وضوحها، ناهيك عن انعكاس الجزء اليسير منها على مواقع التواصل الاجتماعي ولسان حالهم: «لم يمرّ علينا رمضان كهذا العام، ولن يمر عيد علينا كهذا العيد»، فلا مأكل ولا ملبس ولا عيديّة أطفال، ولا مصروفَ يؤمِّنُ الحدّ الأدنى من طقوسهما البسيطة. لقد كانوا يظنّون في كلّ سنة تمرّ بأنّها الأسوأ ولن يأتي ما هو أسوأ منها، ليتفاجؤوا بأنّ هناك ما خُبِّئ في جعبة السنين العِجاف التي لا شَبعَ فيها ولا فرحَ يليق بمناسبات كهذه، حتى أولئك الذين ما زالوا على رأس عملهم في القطاع العام أو الخاص، والذين شملتهم منحة العيد أو إكرامية أرباب العمل، لن تكفيهم بضع مئات الألوف التي قبضوها لإطعام عائلة أو كساء طفلين أو ثلاثة، رغم الانخفاض النسبي لأسعار بعض السلع والاحتياجات، فما بالك بمن هو رهينُ البطالة أو العمل الجزئي؟
تسويف ووعود
لم تعد المشكلة التي تعاني منها الطبقة العاملة محصورة بواقعها الكارثي المستمر فقط، بل بالقرارات والسياسات المتخبطة والخاطئة التي تتناقض مع فتح أيّ أفقٍ يشدّ من أزر الطبقة العاملة ويرفع مستوى صبرها؛ فالأعمال شبه متوقفة والحكومة تدور بحلقة مفرغة تائهة بتفاصيل كثيرة بعيدة كل البعد عن أولويات دورها ومهامها، حلولها معدومة وخطابها حبيس غرف الاجتماعات ومطبخ القرارات، لا برنامج تضعه أمام مَن ملكَت أمرَهم، بل مجرد شعارات عامّة ووعود غير موضوعية ولا مدروسة، ونقابات نائمة حبيسة مكاتب ملّت من نفسها، مغتربة عن طبقتها وحقوقها الضائعة، وآخِر ما سمعناه من المسؤولين والنقابات والإعلام شبه الرسمي: اصبروا فالحكومة الجديدة ستبصر النور خلال ساعات وسيتغير كلّ شيء نحو الأفضل. فهل سيأتي رمضان العام القادم ومن ورائه عيد الفطر ونقول لقد انتهى الأسوأ، أم أننا سنترحم على ما نحن فيه الآن؟ «منعيش ومنشوف».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1220