تدهور المعيشة وعمالة الأطفال
معاناة غالبية الأسر السورية من الفقر والعوز دفعتهم لزج أطفالهم في سوق العمل، حيث هناك أزيَدُ من 90% من الأسر يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. ووفقاً للعديد من التقارير والدراسات المختلفة فإنّ أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر يفوق 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، وكثير منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم. من هذه الخيارات زج أطفالهم في مهن شاقة ومتعبة، ذات خطورة بالغة على صحتهم العامة وحياتهم، وعدم التحاقهم بالمدارس لمساعدة أهاليهم في مصاريف الحياة المعيشية القاسية.
هذه الظاهرة ملحوظة منذ ما قبل سقوط السلطة المستبدة السابقة، مما أدى إلى دفع الأهالي بأبنائهم إلى العمل بمهن مختلفة قد تكون مصدر رزق لهم، دون التفكير بمخاطر هذه المهن ومشقّتها على أطفالهم، ومدى تأثيرها على نمو أبدانهم، وتحوّل عمالة الأطفال لمشهد مألوف في البلاد، وضرورة ملحة بالنسبة لكثير من العائلات. وكانت ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا تتفاقم مع ازدياد نسب التضخم الكبيرة المستمرة التي تؤدي إلى زيادة الفقر الشديد، هذا وساهم تراجع مستوى التعليم في زيادة انتشار هذه الظاهرة لعدم وجود مدارس كافية ومجهزة للتعليم، وغيرها من الأسباب. ومما زاد الطين بلّة القرارات التي تتخذها الحكومة المؤقتة «حكومة تصريف الأعمال» من تسريح تعسفي لأعداد كبيرة من العاملين في قطاع الدولة بكل قطاعاتهم الإنتاجية والخدمية المدنية، وغيرها. وهي للكثير منهم مصدر دخل رئيسي، على الرغم من ضعفه ومحدوديته التي لا تلبي أدنى الأعباء المعيشيّة المتزايدة باستمرار بسبب الغلاء المتصاعد. يضاف إلى ذلك إغلاق العديد من منشآت القطاع الخاص، بسبب إغراق الأسواق بالبضائع المهرَّبة، وتشريد العاملين فيها.
إنّ ازدياد الفقر في المجتمع واستفحاله، هو إدانة أخلاقية وسياسية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلاد التي تعمل الحكومة اليوم على تنفيذها، وهي شكل من أشكال النهب للثروة الوطنية، مارسته السلطة السابقة، وهذا كان ديدنها. يتوجّه آلاف الأطفال لسوق العمل، والعمل في أعمال شاقّة تتعرّض فيها حياة الكثير منهم للخطر، مثل أعمال النبش في القمامة، وهي غنيّة عن التعريف بمدى خطورتها على حياتهم وبنية أجسادهم الغضّة، وحرف ميكانيك السيارات، حيث يتعرّض الأطفال للمذيبات العضوية وروائحها المتعددة، إضافةً إلى العمل على قارعة الطرقات في البسطات المنتشرة في طول البلاد وعرضها. هذا عدا عن ظاهرة التسول التي يمارسها الأطفال والكبار أيضاً، فيتعلم الأطفال سلوكيات سيّئة وخطِرة من هذا الشارع كتدخين السجائر أو تعاطي المواد المخدّرة.
ومن المعروف جيداً، أنّ الفقر يولد شعوراً بعدم الأمان والمهانة، وعدم الاستقرار، وضعف القدرة على التفكير أو التخطيط، كذلك انخفاض إحساسه نحو وطنه، مما يسهل الجنوح باتجاه الفوضى العارمة والجريمة، أو الهجرة من أجل البقاء.
إنّ الفقر ليس من صنع الفقراء لكنه نتيجة للفشل الذريع لتلك السياسات الاقتصادية والاجتماعية عديمة الجدوى التي تنتهجها الحكومات، بما فيها حكومات البلدان المتخلّفة أو ما تسمى بلدان العالم الثالث عندما لا تكون معبّرة عن مصالح الأغلبية الطبقية في المجتمع. ولا سبيل للقضاء على الفقر إلّا بتغيّر هذه السياسات الاقتصادية المتبعة التي تخنق فرص العمل، وتعيق نهوض المشاريع الصناعية الإنتاجية الوطنية، في قطاع الدولة والقطاع الخاص على حد سواء.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1220