عمالَنا المنهوبين «إنّا هاهُنا قاعدون»
إنْ كان الأجر الذي تتقاضاه 300 ألف شهرياً فأنتَ قادر على شراء كنزة صوف من النوع التجاري الثالث وجاكيت مطري متوسط الجودة، أو ستشتري أربع بيجامات شتوية ولّادي «بازارية»، أو ستشتري بها «مانطو» نسواني طويل من الجوخ الرديء، أيْ أنك يا صديقي ستضحّي براتب شهر كامل لتشتري جزءاً صغيراً من احتياج نفسك أو أحد أفراد عائلتك من الكساء الشتوي. أمّا إنْ كنت تعمل ليلاً ونهاراً في أكثر من عمل، وتُعَدُّ من أصحاب الأجور «عالية الشأن» أيْ أكثر من مليونَي ليرة، فربما تنجح في شراء كسوة العائلة الشتوية خلال ثلاثة أشهر فقط، وستفتح أنت وعائلتك أفواهكم للهواء والله المستعان.
شتاء العام تجاوز الأبواب وأعلن عن نفسه بنسماته الباردة وتوضّأ العمال باللَّبن -كما يقولون- فهم يَخبرون الشتاء ومصاريفه العالية من مازوت وحطب ودواء ولباس وسجاد وغيرها من مستلزمات الدفء والحماية. ومع كل شتاء جديد يزداد عجز العمال وأسرهم عن تأمين الحد الأدنى من كل ذلك، خاصة في ظل التراجع المستمر للقوة الشرائية لأجورهم الرمزية، أضف عليها ارتفاع أسعار كل الاحتياجات الشتوية بشكل جنوني بعيداً عن قدرة فهمها، فسقف ما يستطيع أي عامل شراءه من المازوت لعائلته، تلك الخمسون ليتراً اليتيمة والمُخجِلة من بطاقة الدعم، وهي غير كافية لأيّام الشتاء الطويل حتى لو استخدمَتْها العائلة بالقطّارة، والحطب أصبح بعيد المنال بعد أنْ طار سعر الكيلو لأكثر من 3500 ليرة. هنا تأتي تلك النصيحة «تَقِّلْ لبس جوا البيت وبرا البيت» فاللباس الشتوي يعتبر البديل الوحيد والحل الأخير للحصول على الدفء والوقاية من البرد وأمراضه. ويبقى السؤال هل يمكن بهذه الأجور التي تتقاضاها الطبقة العاملة بقطّاعَيها العام والخاص تأمينُ اللباس الشتوي للعائلة العمالية؟
السكافي حافي
مجرد أن تذكر وتسأل كيف سيستطيع العمال المأجورون تأمين كساء الشتاء لعائلاتهم، سيثب ذهنُك إلى الألبسة المستعملة (البالة)، فهذا الارتباط المؤسف قديم قدم السياسيات الليبرالية البهلوانية المتهوّرة التي انتهجتها الحكومات المتتالية في سباق محموم بينها للفوز بجائزة الإجراءات الصعبة على الفقراء. ولكن هل أصلاً ما زالت ألبسة البالة في متناول أجر العمال؟ وهل سيجدون فيها ما يلبي احتياجهم؟ بالطبع لا، فالأسعار لا تتناسب أصلاً مع قدرتهم الشرائية وإن كانت مستعملة، كما أنّ هناك حديثاً يدور على قرارات بإلغائها. فمن المسؤول عن هذا العجز الذي تتعرّض له القوى العاملة عن تأمين أدنى احتياجاتها المعيشية؟ أين الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر، ومتى ستعوّض العاملين بأجر عن سلبهم الجزء الأكبر من الأجر غير المباشر الذي كانوا يحصلون عليه من خلال الدعم الحكومي للمواد الأساسية؟ وأين مؤسسات ما يسمى التدخل الإيجابي وأين معامل القطاع العام التي من المفترض تأمينُها الدائم والموسمي للألبسة الجاهزة لعموم الطبقات الكادحة بجودة عالية وسعر بسيط؟ وأين السياسات الداعمة للإنتاج الصناعي في القطاع الخاص الذي كان يؤمن بشكل مستمر انخفاض تكاليفه وبالتالي انخفاض أسعاره؟ لماذا الاستمرار بضرب كل ما يساعد القوى العاملة على الاستمرار والحياة، ألسنا نملك قاعدة هذه الصناعات ونملك قطننا وخبرتنا في الحلج والنسيج وصناعة الألبسة، ألم نكن نصدر بملايين الدولارات لخارج القطر؟ أم أصبح ينطبق علينا المَثل «السكافي حافي».
هل لنا أنْ نسأل لماذا كل إجراء أو قرار يكون على حساب أصحاب الأجور المنهوبين؟ وهؤلاء المعنيّين من أصحاب القرار لِمن يتركون عمّالنا؟ وكأن مصيرهم ليس من شأنهم ولا يعنيهم كما لا يعنيهم دفء الأطفال وعافيتهم ومستقبلهم، ولسان حالهم «إنّا هاهُنا قاعدون».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200