ماذا يريد الفقراء من التغيير

ماذا يريد الفقراء من التغيير

يعتبر إصدار دستور جديد في بلادٍ ما تتويجاً لمرحلة جديدة أدّت إلى ظهورها مجموعةٌ من المتغيّرات، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فرضت نفسها على أرض الواقع. وإنّ إنكار البعض لهذه المتغيرات أو تجاوزها وعدم أخذها في عين الاعتبار يؤدي الى حدوث أزمات قد تؤدي إلى كوارث، والأزمة السورية مثالٌ على ذلك، فتجاهل الدولة لمشاكل الفقر والبطالة والفساد والتهميش طوال السنين الماضية أدى إلى انفجار أزمة كادت تؤدي إلى تفتيت البلاد.

ومع اقتراب الحلّ السياسي للأزمة في البلاد لا بدّ من معالجة هذه الأسباب معالجةً جذرية لمنع تكرار الأزمة وانفجارها مرة أخرى، فماذا يريد الفقراء وذوي الدخل المحدود من الدستور المرتقب القادم وما الذي ينشدونه من التغيير؟
إنهم ينشدون أولاً، رفع مستوى المعيشة للمواطن، من خلال معالجة التشوه في طريقة توزيع الثروة بين أصحاب الأجور والأرباح نتيجة تبنّي الحكومات المتعاقبة لسياسة اقتصاد السوق التي أوصلت 90% من السوريين إلى حافة الجوع، والتي كانت سبباً رئيسياً في انفجار الأزمة من خلال إضعاف البلاد اقتصادياً، وتراجع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، وإطلاق يد قوى الفساد لتتحكم في لقمة العباد.
ثانياً، المحافظة على القطاع العام، فمن المطلوب أيضاً إعادةُ دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية من خلال المحافظة على القطاع العام ودعمه وتطويره، ليتحكم في توزيع الثروة ويأخذ دوره الريادي في إعادة الإعمار، وقطع الطريق على قوى الفساد التي تحاول التخلص من القطاع العام بعدما خسَّرته وأوصلته إلى حافة الإفلاس.
فإعادة الاعتبار للقطاع العام تتطلب أيضاً مكافحةً جديّة للفساد وقطع يد قوى الفساد عن جهاز الدولة ومنعها من تسييره وفقاً لمصالحها وإدارتِه لصالح مجموع الشعب.
والعدالة الاجتماعية هي من أهم ما ينشده الفقراء من عملية التغيير، حيث يجب أنْ يدارَ الاقتصاد وفقاً لصالح غالبية الشعب، وهذه باتت ضرورة ملحّة لإنقاذ 90% من الشعب من الفقر والعوز ولمنع انفجار أزمات جديدة، فحلُّ الأزمة السورية يجب أن يكون حلاً جدّياً يمنع تكرارها ويؤسِّس لنظام حكم توافقيٍّ مستقر.

ربط الأجور بالأسعار

لقد نصّ دستور سورية الحالي، المُقرّ منذ العام 2012، في المادة 40 منه، البند 2، على أنّ «لكل عامل أجرٌ عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُّرها». ولكنّ واقع الحال يسجّل خرقاً يومياً ومستمراً لهذا النصّ الدستوريّ لأنّ الحد الأدنى لأجور السوريين منذ سنوات وحتى الآن ما زال أقل بكثير من أن يضمن متطلّبات المعيشة ناهيك عن تَغيُّرها صعوداً دوماً بسبب الغلاء الفاحش والمنفلت لأسعار السلع والمنتجات في الأسواق دون أن تلحق بها الأجور المتناقصة بوتيرة سريعة جداً من حيث القدرة الشرائية، في حين يجب أن تكون الأجور والرواتب قادرة على ضمان عيش كريم للمواطن السوري وأسرته ويجب جعل الحد الأدنى من الأجور جزءاً من النظام العام لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه إلّا باتجاه زيادة هذا الحد الأدنى.
ويجب حماية قوة العمل والاعتراف بالدور الرئيسي للعمال في عملية الإنتاج باعتبارهم المنتجين الحقيقيين للثروة، وذلك عبر ضمان حقوق العمال والاعتراف بحق العمال في الدفاع عن مصالحهم بكل الوسائل بما فيها حق الإضراب السلمي.

الدستور الحالي

ينص الدستور الحالي الصادر عام 2012 على العديد من المكاسب للطبقة العاملة والتي نصَّ عليها في المبادئ الاقتصادية، حيث نصت المادة الثامنة عشرة على أن السياسة الاقتصادية للدولة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمستدامة. فهنا ربطَ المشرّع التنمية بتحقيق العدالة الاجتماعية، كما شدّدت على حماية الدولة للمنتجين والمستهلكين والعمل على تطوير الطاقات البشرية وحماية قوة العمل بما يخدم الاقتصاد الوطني.
كما أكّد الدستور أهمية القطاع العام حيث نصّ في المادة الرابعة عشرة على أنّ المؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة تدار لصالح مجموع الشعب.
كما نص الدستور في المادة الثالثة عشرة في الفقرة الثانية على: تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع و الأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي و العدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة و المتوازنة و المستدامة.
وعاد المشرّع ليؤكد في المادة التاسعة عشرة أنّ المجتمع يقوم على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية كما كفلت الدولة صحة المواطن في حالات الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة. وأعاد المشرع إلى الدولة وحدها تأمين الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم.
ولكن وبالرغم من تقدم الدستور في هذه النواحي إلّا أنّ أغلب نصوصه بقيت حبراً على ورق، بسبب قوة العطالة التي سمحت لقوى الفساد تعطيل تطبيق الدستور، ولكن لن يقبل السوريون التراجع عن هذه المكاسب والعودة إلى الوراء، بل يجب الدفاع عنها والضغط لنقلها إلى موضع التطبيق، والحل السياسي سيؤمّن الظرف الموضوعي للشعب السوري للدفاع عن مصالحه بشكل ملموس.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1200