القضاء العمالي... التباطؤ في فصل القضايا يؤدي لخسائر

القضاء العمالي... التباطؤ في فصل القضايا يؤدي لخسائر

تختص محكمة البداية المدنية العمالية في الفصل في منازعات العمل التي تحصل بين العامل ورب العمل وفق قانون العمل رقم 17 لعام 2010. وقد عُدِّلَ تشكيل المحكمة العمالية بالمرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2013 والذي أدى عملياً لانطلاق عمل محكمة البداية المدنية العمالية، والتي ظلت متوقفة عن العمل مدة ثلاث سنوات من عام 2010، تاريخ صدور قانون العمل، لغاية عام 2013.

مع انطلاق عمل المحكمة كما ذكرنا، وبعد طول انتظار وتراكم آلاف الدعاوي أمام هيئة المحكمة، وقع العمال في فخّ بطء إجراءات التقاضي أمامها، حيث يحتاج الفصل بالدعاوي بالدرجة الأولى فقط إلى سنتين بالحد الأدنى، وقد تصل إلى ثلاث أو أربع سنوات بسبب إجراءات التقاضي الروتينية والطويلة.
ولذلك يصبح القضاء العمالي عديم الفائدة وسبباً لتنازل العمال عن حقوقهم ومساومة أرباب العمل، والقبول بالفتات التي يرميها لهم ربّ العمل، كخيارٍ أرحم لهم من التوجه للمحكمة العمالية، عدا عمّا إذا كانت هناك خصومة مع جهة حكومية مثلاً كمؤسسة التأمينات الاجتماعية، حيث تطول فترة التقاضي لسنوات طويلة كما هو معروف.
وطبيعة القضايا العمالية هي من النوع المستعجل، والتي يحتاج البت فيها للسرعة، لسبب أنّها تلتصق بحياة العامل الاقتصادية والاجتماعية وباب رزقه، والتي لا تحتمل أي تأخير فيها؛ حيث يعد التأخر بالفصل فيها -حتى لو افترضنا ربح العامل لدعواه بعد سنوات- بحكم خسارة الدعوى، عدا عن العطل القضائية والعطل الطويلة التي تقرّها الحكومة، والتي تسببت بتعطل بمصالح المواطنين وتوقفها وتضرّر المتقاضين منها كثيراً.
عدا عن عزوف أغلب المحاميين عن الترافع عن العمال، بسبب ضآلة الأتعاب وطول فترة إجراءات التقاضي وتعقيدها، وخاصةً أنّ محامي أرباب العمل يتقصّدون المماطلة بالدعاوي لدفع العمال لليأس من المحكمة وما قد تحكم لهم به، ولا سيّما مع الارتفاع اليومي للأسعار وتدنّي القوة الشرائية للنقد، حيث يصبح أي تعويض بعد سنوات بخساً جداً.
ورغم أن قانون العمل أعطى للعامل حقَّ تقاضي 50% من أجره خلال فترة التقاضي، إلّا أنّ المحكمة لا تتقيّد بالنص القانوني على أرض الواقع، بحجّة أنّ ذلك سابقٌ لأوانه، لأن العامل لم يُثبتْ بعد ارتكابَ ربِّ العمل لمخالفةِ أحكام قانون العمل.
هناك عدة حلول قانونية لتسريع عمل المحكمة، وليست بالمهمة المستحيلة، ومنها إلغاء التشكيل الاستثنائي الثلاثي للمحكمة بين ممثل أرباب العمل وممثل العمال، وإعادة سلطة القضاء على المحكمة العمالية، والتوسع بإنشاء محاكم عمالية في جميع عدليات البلد، والتشدد في إجراءات التبليغ؛ وهو إجراء قضائيّ أوليّ وهامّ وضروريّ للشروع بالمحاكمة، ومَنعِ مَنح مُهلٍ للاستمهال إذا كان الهدف منها المماطلة فقط، وحصر التقاضي ببعض القضايا بالدرجة الأولى فقط، ومنع الطعن فيها حيث تصدر الأحكام بصورة نهائية ومبرمة، وإنشاء غرفة ضمن المحكمة مختصة حصراً بقضايا التسريح والتعويض عنه، ويمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية والإقليمية التي تسعى لتخفيض فترات التقاضي في المحاكم العمالية.
وعلى سبيل المثال فقد حققت المملكة العربية السعودية ومنذ سنوات (عام 2019) إنجازاً قضائياً تمثّل في تحقيق القضايا العمالية مستهدَفها الزمنيّ بأنْ تكون مدة القضية ثلاثين يوماً فقط، وتحديد عدد الجلسات بثلاث أو أربع جلسات فقط، مع تحقيق انتشار واسع للمحاكم العمّالية على مساحة المملكة، ومواكبة التطورات وتعيين قضاة مختصين بالقضايا العمالية، وقد منعت المملكة الطعن بالاستئناف ببعض القضايا العمالية كالتسجيل بالتأمينات الاجتماعية أو المتعلقة بالرواتب والأجور حيث تصدر تلك الأحكام بصورة مبرمة.
وفي دولة الإمارات يبلغ المدى الزمني للدعاوي العمالية نحو تسعين يوماً فقط.
المشكلة ليست مناطة بوزارة العدل السورية فقط، بل يشترك بالمسؤولية عنها المشرّع الذي أصدر قانوناً مجحفاً أساساً بحقوق العمال، ناهيك عن الدور السلبي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إزاء حماية حقوق العمال، وتقاعس الاتحاد العام لنقابات العمال في الدفاع عن حقوق العمال، والدفع نحو تعديل قانون العمل وحماية حق العمّال الدستوري في اللّجوء للقضاء الذي من المفترض أنه مؤسَّسة عدل وإنصاف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1192
آخر تعديل على الأربعاء, 18 أيلول/سبتمبر 2024 17:19