الفقر والصراع الطبقي

الفقر والصراع الطبقي

تعرّض العمال في سورية منذ ما قبل انفجار الأزمة بعدة عشرات من السنين، لعملية تضليل ممنهجة -ازدادت خلال الأزمة- ركيزتها الرئيسيّة تجزئة القضايا الأساسية، واعتبارها مسائل منفصلة لا روابط فيما بينها. وانطوت هذه العملية على الفصل في الخطاب بين السياسي والاقتصادي، من أجل انقسام العمال على أنفسهم، وتغييب الصراع الطبقي، الذي يوحّدهم حول مصالحهم ومطالبهم وحقوقهم المسلوبة.

الهدف من ذلك هو منع وحدة الطبقة العاملة في وجه قوى الفساد والنهب المسيطرة في المجتمع، وقطع الطريق أمام نشوء حركة مطلبية تطالب بالحقوق المعيشية والاجتماعية بما فيها الديمقراطية. وساهم في ذلك غياب حركة نقابية واعية تحمل مطالب جذرية في الدفاع عن مصالح العمال والفقراء وحقوقهم، من خلال محو الذاكرة الجماعية لمعارك النقابات، والاتحاد العام لنقابات العمال، منذ تأسيسها في مواجهة قوى الاستغلال والسلطات المتحكمة – حيث خاضت النقابات نضالات من أجل الأجور، وغيرها من الحقوق والمطالب المختلفة من تشريع وأمن صناعي وغير ذلك.
منذ ستينيات القرن الماضي كانت معدلات الفقر في البلاد عموماً، وفي أوساط الطبقة العاملة خاصة، في انخفاض وربما كانت سرعة انخفاضها بطيئة إلى حد ما، حتى أصبح اليوم ودون مبالغة العاملون بأجر كافة يعيشون تحت خط الفقر الدولي. وأصبحوا معرَّضين لخطر استمرار العيش في فقر مدقع.
يشكل ازدياد الفقر واستفحاله في المجتمع إدانة سياسية وأخلاقية للسياسات الاقتصادية الاجتماعية السائدة في البلاد، ولا بد من مواجهة هذه المشكلة، حيث هناك أكثر من 90% ممن يكابدون العيش الرديء وبالأخص منهم العاملون بأجر. الفقر أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق دائم، حيث إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والحصول على المياه. إضافة إلى التمييز الاجتماعي وانعدام فرص مشاركة الفقراء في اتخاذ القرارات من خلال ممثليهم المفترضين في النقابات أو غيرها.
إن القضاء على الفقر بجميع أشكاله المفترض أن يكون من أولويّات الأهداف للقوى الوطنية التي تدّعي دفاعها عن الطبقة العاملة العاملين بأجر كافة، من خلال برامجها المعلنة، وهو كذلك من أهم المهمات الملقاة على عاتق النقابات الطبقية التي تمثل مصالح العمال كما تدّعي، وعلى الدولة أن تضع مجموعة من الأهداف للتنمية المستدامة من أجل محاربة الفقر، كوضع الموارد اللازمة من مصادر مختلفة وفي المقدمة منها مصادر نهب قوى الفساد الكبير، وانتهاج سياسات اقتصادية تهدف إلى تنمية مستدامة تعتمد على استراتيجيات تنموية تضمن العمل لكل طالبي العمل بغض النظر عن جنسهم، وتوزيع موارد الثروة الوطنية بشكل عادل.
لقد كشف انفجار الأزمة الوطنية أن أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي في الحقيقة أزمة واحدة، وأن فصل هذه القضايا هي سمة القوى العاجزة عن ابتكار الحلول. إن انفجار الأزمة يفرض على النقابات سؤالاً يجب عليها أن تسأله لنفسها: أيّ اقتصاد نريد وأي خيارات سياسية واجتماعية؟ وهل هناك مثلاً حلول اقتصادية خارج رعاية الدولة الاجتماعية.
فالعالم فيه الكثير من المتغيرات والتحولات على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية كافة، وهذه التحولات مترابطة فيما بينها. إن حقوق العمال تسلب منهم نتيجة تطبيق التوجه النيوليبرالي، وتحرير التجارة وتقليص دور الدولة في العملية الاقتصادية، وإنّ التحولات الاقتصادية السياسية على الساحة المحلية هو الأساس في فقدان هذه الحقوق. لقد تغيرت السياسات الاقتصادية، وكان للعمل النقابي العمالي النصيب الأكبر من هذا التغيير حيث بات التغيير في الحركة النقابية هو المؤشر والدليل الحي على ضعف النقابات وتخلفها الطبقي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1191