المحاكم العمالية وحقوق العمال

المحاكم العمالية وحقوق العمال

معيقات قانونية كثيرة تواجه العمال أمام المحكمة العمالية أثناء المطالبة بحقوقهم، خاصة المالية منها، وذلك بسبب منح قانون العمل رقم 17 لعام 2010 السلطة الكاملة لأصحاب العمل في فرض شروط العمل على العامل دون أن يكون لهذا الأخير أي خيار سوى الرفض أو القبول وكأنّ عقد العمل تحول من عقد رضائي إلى عقد إذعان يُفرَض على العامل.

فمن المشكلات التي تمنع العمال من التوجه إلى القضاء العمالي والمطالبة بحقوقهم مشكلةُ منح القانون حقَّ التسريح التعسفي لأصحاب العمل في المادة 64 من قانون العمل، وهو ما يضع العامل أمام خيارين في مواجهة الادّعاء: تعرّضه للفصل أو القبول بانتهاك حقوقه خوفاً من الفصل من العمل. حتى أنّ العامل قد لا يستطيع جلب شهود إثبات لحقوقه العمالية أمام المحكمة بسبب خوف بقية العمال، رفاقه، من تعرّضهم للفصل بسبب الإدلاء بشاهدتهم لصالحه، ومن المعلوم أنّ الشهادة هي وسيلة إثبات مهمّة ومفصلية في قضايا العمل، وفي إثبات العلاقة العمالية بين الطرفين والتي تطلبُها المحكمة في كل دعوى تقريباً.
وفي الحقوق العمالية المالية وخاصة أثناء المطالبة بتعويض عن إصابة العمل أو مكافأة نهاية الخدمة أو تعويض التسريح غير المبرر، غالباً ما تحسب المحكمة هذه التعويضات وفق الأجر المقطوع للعامل، وبالتالي فإنّ حساب التعويضات يتم على أساس الحد الأدنى للأجور والرواتب وهو ما يفرغ هذه التعويضات من وظيفتها الأساسية كرادعٍ لأصحاب العمل وتعويض للعمال، ناهيك عن أن هذه التعويضات البخسة التي يحصّلها العامل بعد سنوات من التقاضي، بسبب بطء الإجراءات أمام القضاء، وتعمّد محامي أرباب العمل المماطلةَ في القضايا العمالية بهدف إجبار العامل على سلوك طريق التفاوض معهم، وإعطائه من الجَمل أذنه كما يقولون، مع العلم أنّ قانون العمل في المادة 7 منه نصَّ على أنْ تنظرَ المحكمة العمالية في القضية على وجه السرعة، ولها حق إضفاء صفة النفاذ المعجَّل على أحكامها.
وفي الدعاوى التي يطالب بها العمّال بتسجيلهم بمؤسَّسات التأمينات الاجتماعية بمفعول رجعيّ أو بشكل لاحق، تقوم المحكمة عادة وفي حال إثبات العامل لحقوقه بتسجيل العامل بالمؤسسة وفق الحدّ الأدنى للأجور وليس وفق أجره الحقيقي الذي يتقاضاه، مع أنّ قانون العمل قد نصَّ في المادة 93 منه، وفي فقرة واجبات أرباب العمل، على تسجيل العامل في مؤسسة التأمينات الاجتماعية أصولاً؛ وكلمة «أصولاً» تعني بشكلٍ قانوني، وهو تسجيل العامل على أجره الحقيقي وليس على الحد الأدنى فقط، وهو ما يفوِّت على العامل المنفعة الحقيقية من التسجيل بالتأمينات.
أما في باب المخالفات التي يرتكبها العامل أثناء العمل، فقد نصّت المادة 101 من قانون العمل على أنَّ ربَّ العمل يشكّل لجنةَ تحقيق وفقَ قواعد معيَّنة، منها تبليغ العامل للمخالفة وسماع دفاعه، ولكن بالنهاية يكون القرار لربّ العمل فقط، فهو الحَكَم والخَصم في وقتٍ واحد حسب القانون! وعادةً ما تصدرُ قراراتُ التسريح التي تعرض على المحكمة العمالية بعدَ إجراء التحقيق في المنشأة من قبل ربّ العمل، وبالتالي فإنّ القضاء يَركن إلى هذه التحقيقات، ولكنْ في الواقع العمليّ فإنّ هذه التحقيقات التي يجريها ربُّ العمل تكونُ بعيدةً عن الواقع وغير منصفة، وتظهر كيف يستطيع أرباب العمل انتزاع اعترافات من العمال على بعضهم بعضاً بسبب خوف العمال من التسريح والفصل، ولقلّة خبرتهم القانونية التي قد تدفعهم للاعتقاد أنّ هذه التحقيقات لن تضرَّ بالعامل المشكو منه بشيء.
لا بدّ قبل كلّ شيء من رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى مستويات الأسعار، ووفق ما نص عليه الدستور الحالي لكي تحمل تعويضاتُ العمال معناها الحقيقي، وإعادة التوازن إلى علاقة العمل من خلال فرض نصوص إلزامية في عقود العمل لإيجاد نوعٍ من التوازن في علاقة العمل، وتخليصها من مبدأ الحرية التعاقدية (المفترَضة) وإلغاء التسريح التعسفيّ أو فرض رقابة قضائية مسبقة على قرارات التسريح.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1191