المرحلة المقبلة تتطلب

المرحلة المقبلة تتطلب

عبر مختلف الأزمنة المتعاقبة، شهد العمل تطورات وتحولات عديدة باعتباره شرطاً أساسياً من شروط العيش من أجل البقاء على قيد الحياة، وشرطاً لتطوّر المجتمع، حيث كان العمل البشري في بداياته التاريخية بالكاد يلبّي الحاجات المباشَرة للمُنتِجين في عشيرتهم البدائية، ثمّ صار العمل عبر المراحل المختلفة من المجتمع الطبقي يلبّي حاجات المنتِج وعائلته مع فائضٍ سَمَح بنشوء التبادل البضاعي وتطوّره وصولاً إلى ذروته في الرأسمالية حيث يلبّي العامِلُ جزءاً من حاجاته وحاجاتِ غيره مقابل أجر مع اكتساب العمل طابعاً اجتماعياً واسعاً.

وتعاني الطبقة العاملة السورية من ضعف عام خلال مسيرة تطورها منذ أواخر القرن الماضي فهي لم تستطع أنْ تدافعَ عن حقوقها وتحافظَ على مكتسباتها رغم شحّها، وتأمين شروط معيشة لائقة وكريمة عبر ممثّلي العمال.

تتطلب المرحلة المقبلة من حياة البلاد الاستخدام الأمثل والكامل لعناصر الإنتاج، واستخدام الموارد البشرية والاقتصادية كافة للوصول إلى أعلى مستوى من كمية الإنتاج وذلك من حيث الكمّ والنوع، ولا بدّ أن يكون ذلك أوّلاً بعيداً عن مخالب وأنياب قوى الفساد والنهب. ولا بد من زيادة الاستثمار في أصول المعامل والشركات الوطنية وخاصة في القطاعات الإنتاجية لدى الدولة، إضافةً إلى القطاع الخاص. فهذا الاستثمار يشكّل عصب التنمية الاقتصادية، وقدرة الاقتصاد الوطني على التخلّص من الركود، وزيادة الدخل الوطني، وهذا ما يحقق رفع متوسط الدخل للعاملين بأجر ويحقق رفعاً لمستوى المعيشة. وبالتالي تكون زيادة الأجور حقيقيّة، وغير تضخمية، نتيجةَ نمو اقتصادي حقيقي كما نوّهت إلى ذلك قاسيون في عددها السابق.
إنّ الفقر ليس مِن صنع الفقراء لكنه نتيجة للفشل الذريع لتلك السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحالية عديمة الجدوى التي لا تعبّر عن مصالح المجتمع. لا سبيل للقضاء على الفقر إلا بتغيير هذه السياسات الاقتصادية المتبعة التي تخنق فرص العمل والمشاريع الصناعية الإنتاجية الوطنية، وليس عبر الزيادات الوهمية أو المنح المؤقتة في هذه المناسبة أو تلك، أو إعادة توزيع الدعم عبر يافطات مبهَمة بعيدة عن أحوال العباد. فالحكومة بسياستها الاقتصادية والاجتماعية هي فريقُ عمل ٍواحد مع قوى السوق والمال، ورغم ذلك فهذه القوى لا تَعتبِر الحكومةَ شريكاً لها، رغم أنّ السياسات التي تنفّذها الحكومة هي تلك السياسات التي تلبّي مصالحَهم المباشرة وغير المباشرة، وهي تُعِدُّ التشريعات والقرارات كافة التي تخدم هذه القوى. أمّا فيما يتعلق بالطبقة العاملة فإنها تعمل بعكس مصالحها وحقوقها، ولا توفّر لها البيئة القانونية للدفاع عن حقوقها بل تتناقص هذه البيئة مع تلك الحقوق يوماً بعد يوم من خلال زيادة سطوة قوى المال المختلفة.
تقع على عاتق ممثّلي العمال مسؤولية كبيرة في الخلاص من هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه العاملون بأجر. ويجب عليهم أن يدركوا مدى تأثير السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تسير بها الحكومة على المنشآت الصناعية المختلفة، والعمّال ومكان العمل. أما الدولة فعليها أن تقوم بالاستثمارات الإنتاجية، وتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل، وتوفير السلع الضرورية، وتأمين الخدمات العامة، وأن تقوم بالحدّ من هذه السياسات الحكومية، وتأمين بيئة عمل مواتية للصناعة الوطنية، لا «تطفيشهم» خارج البلاد. يحتاج العاملون بأجر إلى التعبير عن أنفسهم لكي يُعتَرَف بحقوقهم وتُحتَرَم، وكي تُلبَّى مطالبُهم يحتاجون إلى القوانين الضرورية أيضًا التي تعمل من أجل صالحهم وليس العكس، ودون هذه الحقوق لن يتمكن العاملون بأجر من الإفلات من براثن الواقع المزري، وبالتالي يحتاجون إلى قوى سياسية حقيقية تعدل ميزان القوة إضافة إلى نقاباتٍ تتمتع باستقلالية قراراتها لكي تصبّ في مصلحة العاملين بأجر كافةً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1179