هل مجابهة النقابات للسياسات المضرة بحقوق العمال خطيئة؟

هل مجابهة النقابات للسياسات المضرة بحقوق العمال خطيئة؟

كثيراً ما ردد المسؤولون الحكوميون عبارة النقابات متواجدة في كل مواقع اتخاذ القرار، وهي مسؤولة عن تلك القرارات المتخذة مثلها مثل الحكومة والإدارات، فالتمثيل النقابي يشمل مجالس إدارة المؤسسات والشركات ومجلس الشعب واللجنة الاقتصادية العليا وقيادة الجبهة وغيرها من المواقع التي تتخذ فيها القرارات، أي إن الحركة النقابية شريك حقيقي في كل ما يجري في البلاد لانتشار ممثليها في المواقع التي ذكرت أعلاه، وهذا الانتشار التمثيلي يحمّلها عبئاً ومسؤوليات استثنائية كونها أيضاً تمثل أكبر طبقة في البلاد، وبالتالي ما يصيب هذه الطبقة من أضرار تتحمل الحركة النقابية جزءاً منه لموقعها التمثيلي وعدم فاعليتها وقدرتها على الرد المباشر إلا من خلال الأطر المسموح لها بالرد عبرها.

فالحكومة عبر نهجها وبرنامجها الاقتصادي، استطاعت أن تعمّق التناقض وتزيده بين الحركة النقابية والطبقة العاملة، بسبب الحزمة الكبيرة من الإجراءات والقرارات الاقتصادية والاجتماعية التي أثرت تأثيراً كبيراً على المستوى المعيشي للمواطنين ذوي الدخل المحدود ومنهم العمّال، وكذلك جعلت القطاع العام دريئة توجه سهامها السامة إليه، جاعلةً منه قطاعاً ضعيفاً لا حول ولا قوة له، بعد أن جرّدته من عناصر قوته التي كان يتمتع بها، والتي جعلت منه قطاعاً سائداً في الاقتصاد الوطني يلبي الاحتياجات الوطنية، وعلى رأسها أن يكون القرار الوطني مستقلاً غير خاضع لأية ضغوط من أية جهة كانت.
فعندما تتحدث الحكومة بملء الفم عن إنجازاتها وبرامجها، زاعمه أنها حققت المطلوب منها ضمن الظروف التي تحيط بسورية سياسياً ومناخياً، فالمطلوب من الحركة النقابية حكومياً أن يرفع أعضاؤها القبعات تحيةً لإنجازات الحكومة تلك، وخاصةً بقضية الفقر وجيش العاطلين عن العمل ورفع الدعم عن المازوت وتحرير الأسواق وتمكين القطاع الخاص من التحكم في المواقع السيادية مثل الموانئ والمطارات ومحطات الكهرباء، التي اعترفت الحكومة بعدم إنجازها!!!، وما بقي من الخطة فهو ليس بأحسن حالاً، ولا ننسى قتال الحكومة المستميت خلال سنوات من أجل صدور تعديلات على قانون العمل رقم 17 وفقاً لإرادة أرباب العمل والمستثمرين، باعتبار أن القانون السابق متخلّف، ولا يتماشى مع روح العصر بمسألة الاستثمار، وهو معيق لتهافت الاستثمارات الخارجية، لذا لابد من إزاحته وإيجاد البديل المناسب لقدوم المستثمرين وإن كان لا يلبي مصالح وحقوق العمال فالأخيرون لا مشكلة معهم إن كان القانون لصالحهم أم لغير صالحهم المشكلة مع المستثمرين الذين سنقدم لهم كل التسهيلات والإغراءات من أجل جذبهم.
ما نودُّ قوله إنه على الحركة النقابية أن تطرح سؤالاً مهماً: لمَ لمْ تستطع الحركة النقابية التأثير في مجمل ما يجري اقتصادياً واجتماعياً على الرغم من وجود ممثلين لها في كل مواقع اتخاذ القرارات المهمة، والتي بيدها الحلُّ والربط؟.
إن الإجابة عن هذا السؤال سيفتح الأفق أمام الحركة للنظر بمجمل طرق عملها واستخدام أدواتها وخطابها النقابي، اللذين أصبحا الآن غير متناسبين مع التطورات الجارية عالمياً ومحلياً، لأن الحركة النقابية العالمية أخذت بالدعوة صراحة لأوسع مجابهة مع رأس المال المتوحش الذي أسفر هجومه الواسع عن خسارة الطبقة العاملة لمكاسبها الحقيقية التي كانت قد انتزعتها بنضالها الطويل والدامي، دفعت خلاله الطبقة العاملة وحركتها النقابية ضريبة باهظة وخسائر جسيمة ورد العمال في أوروبا وأمريكا هو مزيد من التنظيم وتطوير أدوات المواجهة من أجل انتزاع الحقوق من الوحش الإمبريالي وما المظاهرات الواسعة التي يشارك بها مئات الألوف تضامناً مع الشعب الفلسطيني إلا رسالة واضحة ترسلها الشعوب في مواجهة مغتصبي حقوقها السياسية والاقتصادية موضحةً عدم قبولها لهذا النظام السياسي الاقتصادي المتوحش.
إذاً فالحل الوحيد تجاه وحشية الرأسماليين هو مجابهتهم ومقاومتهم، وليس التصالح معهم على حساب الطبقة العاملة، وهذا ينسحب على حركتنا النقابية المحلية التي تعيش الآن ظروفاً لا تحسد عليها، وإذا ما أرادت أن تتجاوزها وتتخطاها، لابد لها من المقاومة والمجابهة للنهج الليبرالي الذي يقود البلاد إلى مواقع لا تتوافق مع تقاليدها ودورها الذي لعبته في مراحل سابقة بمقاومة ومجابهة المشاريع الاستعمارية، وبالأخص المشروع الأمريكي -الصهيوني، حيث تتطلب المقاومة أن يكون اقتصادنا الوطني مقاوماً، وحتى يكون كذلك لا بد أن يكون اقتصاداً يلبي احتياجات المقاومة الحقيقية، ويلبي احتياجات المواطنين في مستوى معيشي لائق وفي التعليم والصحة والنقل والثقافة الوطنية.. وغيرها من الاحتياجات.
وبالعودة إلى السؤال المطروح، فإن الجزء الآخر من الإجابة سيفتح الأفق أمام الحركة النقابية لتعزيز وحدتها التنظيمية، وتحسين أدوات عملها داخلياً، وذلك بالانتقال إلى المواقع التي من المفترض أنها أحد الدعائم الأساسية للحركة النقابية ودونها لا يمكن الحديث عن قوة هذه الحركة مهما عززت مواقع ممثليها في الإدارات والمؤسسات ومجلس الشعب، حيث كل هذا التمثيل لا يساوي شيئاً دون التوجه الحقيقي للطبقة العاملة وجذبها للمواقع التي تستطيع فيها الدفاع عن حقوقها، من خلال العمل على ردم الهوة معها وتعزيز الثقة بقدراتها الجبارة، وفتح العمل النقابي الديمقراطي أمامها، عبر تطوير دور اللجان النقابية ودور اجتماعات الهيئة العامة للمعامل والشركات لتكون المنبر الحقيقي الذي يقول كلمته بكل القضايا العمالية، بما فيها محاسبة اللجان النقابية والهيئات القيادية في حال لم تقم بواجبها الذي وُجدت من أجله.
إن ممثلي الحركة النقابية في كل المواقع، مطالبون بتقديم جرد حساب عن مهمّاتهم المكلّفين بها أمام الهيئات العامة، وفي هذا كل الخير للطبقة العاملة وللحركة النقابية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1151