قوة العمل بضاعة لها قيمتها أيضاً

قوة العمل بضاعة لها قيمتها أيضاً

تبادر الحكومة في كل مرة ترفع فيها أسعار السلع والمنتجات والخدمات إلى التبرير بالقول إنه حرصاً على استمرار توافر المادة في الأسواق ولارتفاع تكاليف الإنتاج وتفادياً لخسارة المنتجين اضطررنا إلى تعديل الأسعار.

تقريباً هذا هو التبرير الوحيد الذي تسوقه الحكومة حين ترفع أسعار المواد والسلع والخدمات ولمصلحة المنتجين والمستوردين دائماً، ولكن إذا نظرنا إلى سعر قوة العمل أي الأجور والرواتب (والتي تعتبر بضاعة من نوع خاص) وبالرغم من ارتفاع تكاليف إعادة إنتاج قوة العمل بين ما يحتاجه العامل من احتياجات الأساسية لإعادة إنتاج قوة عمله وبين مستوى أجره نرى الهوة مخيفة جداً حيث لا تغطي الأجور سوى 3 % من احتياجات العامل الأساسية التي تمكنه من إعادة إنتاج قوة عمله، فالعمال اليوم لا يحصلون على السلة الغذائية الضرورية اللازمة لإعادة إنتاج قوة عملهم على الأقل وجلهم يعتمد على المساعدات الدولية من بقوليات وبرغل وأرز وقد حذفوا من موائدهم اللحوم والدجاج والبيض والأجبان والألبان وانخفض استهلاكهم من جميع السلع إلى مستويات متدنية جداً، وبالتالي سعر قوة العمل اليوم لا يعبر عن قيمتها الحقيقية إطلاقاً.

وبالرغم ممّا تعرضت له البلاد من هجرة الأيدي العاملة إلى الدول المجاورة بسبب تدني مستوى الأجور وفقدان الحرفيين والأيدي الماهرة إلا أن الحكومة لم ترفع مستوى الأجور رغم كل المخاطر التي واجهتها الطبقة العاملة من هجرة ونزوح وتشرد وفقدان للأمن الغذائي وانتشار الأمراض الناتجة عن ذلك وفقدان عامل الاستقرار والأمان في العمل بسبب قوانين العمل المجحفة، وبالرغم من الحديث المتكرر من الحكومة عن مشاريع إعادة الأعمار إلا أنها لا ترى في فقدان اليد العاملة وهجرتها وبالتالي خسارتها خطراً تجب مواجهته.

الجوهر هو ميزان توزيع الثروة

تراجع وتدني مستوى الأجور والرواتب وانخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار ترجعه الحكومة دائماً إلى الحصار والعقوبات الاقتصادية وهي تقول لنا ليس لنا من سبيل سوى ترجي الغرب وانتظار رحمته، ولكن ما علاقة الحصة المتدنية جداً من الثروة الوطنية والتي تقدر ب13% فقط تذهب إلى 90 % من السوريين أصحاب الأجور بينما ينعم 10 % من المحظيين فقط ب90 % من الثروة ما علاقة هذا التوزيع الظالم والجائر إن لم نسمّه نهباً- بالمؤامرة والحصار والعقوبات؟!! هذا إن لم يكن هذا النهب والفساد في الداخل مكملاً للمؤامرة ومتلازماً معها.

حلول وهمية

طبعاً جميع الحلول الحكومية والتي تنبع من السياسات الليبرالية تعالج دائماً المشكلة بشكل تجميلي دون المساس بجوهر الأزمة تارة من خلال الخطابات الحماسية للعمال وأن العمال يعملون بوطنيتهم وتارة من خلال التصريحات الحكومية عن الاهتمام بذوي الدخل المحدود وتحسين الوضع المعيشي وإيصال الدعم إلى مستحقيه والذي كل ما تكررت هذه التصريحات نرى موجة جديدة من رفع الدعم عن المواطنين ورفع للأسعار، ومن الحلول الخلبية للحكومة لتحسين مستوى الأجور ما يتردد على ألسنة المسؤولين من إقرار نظام جديد للحوافز المكافآت خاص بكل مؤسسة على حدة، مع العلم أن جميع هذه المتممات من الأجور تحسب على نسب مئوية من الراتب الضئيل أساساً وبالتالي لا تغير من الوضع شيئاً ناهيك عن الحديث المتكرر عن ربط الأجور بالإنتاج (وهو مصطلح غير دستوري أساساً حيث نص الدستور السوري عام 2012 على ربط الأجور والرواتب بالأسعار وتغيرها) وهو ما يعني في ظل الوضع الاقتصادي للبلاد حيث الإنتاج في أدنى مستوياته وذلك يعود إلى عدة عوامل من أهمها السياسات الحكومية التي تحجم عن ضخ الأموال اللازمة للاستثمار وتعرقل الإنتاج الخاص الزراعي والصناعي عبر رفع تكاليف الإنتاج ورفع أسعار حوامل الطاقة وفقدان اليد العاملة، وهذا يعني بالنتيجة أن مستوى الأجور سيبقى متدنياً جداً.

الموارد موجودة ولكن ليست متاحة

طبعاً الموارد لزيادة الأجور موجودة ولم تتبخر الأموال كما تحاول الحكومة أيهامنا ولكن يمنع الاقتراب من ميزان توزيع الثروة ويحرم المساس بأرباح قوى الفساد التي باتت تسيطر على كل شيء، وهي التي تزيد من نهبها يوماً بعد يوم وتحتكر الثروة الوطنية لصالحها وتتحكم بجهاز الدولة وتفرض السياسات التي تلائم مصالحها، فلو كانت الدولة مفلسة كما تروج الحكومة لما بقيت قوى الفساد جاثمة على صدور السوريين تمتص دمهم وعرقهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1143
آخر تعديل على الجمعة, 20 تشرين1/أكتوير 2023 18:27