قضية الأجور سياسية أولاً وآخراً

قضية الأجور سياسية أولاً وآخراً

بات الحل السياسي للأزمة السورية وفق القرار 2254 مفتاحاً لحل كافة الأزمات التي يعاني منها السوريون وعلى مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالحل السياسي ليس حلاً بين معارضة وموالاة كما يصوره البعض بل بات ضرورة موضوعية لإنقاذ الشعب السوري.

فقضية الأجور والرواتب المتدنية والتي فرضتها السياسات الليبرالية للحكومات السورية المتعاقبة والتي أدت إلى مزيدٍ من الإفقار وأوصلت المجتمع إلى حافة المجاعة وفقدان الأمن الغذائي، وأضرت هذه الأجور الزهيدة بالعملية الإنتاجية والاقتصاد السوري ككل بسبب ضرب أحد أهم أركان العملية الإنتاجية وهو الاستهلاك، مما أدى إلى توقف العديد من المنشآت الاقتصادية والصناعية والتجارية وازدادت تبعاً لذلك معدلات البطالة وهاجرت رؤوس الأموال المحلية نحو الخارج بحثاً عن فرص جيدة للاستثمار.

الزيادة الأخيرة التي جاءت بعد جدل واسع على الوسائل الإعلاميه وطرح حولها الكثير من التصورات والاقتراحات التي يقول ملخصها هل تكفي زيادة الأجور 100% أم لا تكفي؟ وكانت الزيادة كذلك ولكن الواقع اليوم يقول إن أي زيادة على الأجور لا ترتبط بسلم متحرك مع الأسعار سيكون وبالها كبيراً على أصحاب الأجور وهذا ما تم لأن ارتفاع الأسعار الذي سبقها قد أكلها وزاد عليها المزيد من الأعباء والمزيد من العوز والفقر ونقص كبير في تأمين الحاجات الضرورية للأكل فقط ومن هنا فإن القرارات التي يراعى فيها مصالح الناهبين تكون انعكاساتها شديدة الضرر على معيشة السوريين وحقوقهم.

على العامل وحده تحمل تبعات الأزمة

ومع ذلك لا تزال تواجه الحكومة مطالب العمال المستمرة بضرورة زيادة الأجور بأنها لا تملك الموارد الكافية لهذه الزيادة فيما تُقدم ومن خلال قراراتها على المساهمة الأساسية لرفع الأسعار حسب رغبة التجار، معللة ذلك بارتفاع تكاليف الإنتاج على التاجر ومنها موافقتها السريعة على زيادة أسعار الاتصالات والأدوية أو من خلال رفع تسعيرة الخدمات الحكومية نفسها والتي تطرأ عليها زيادة كل فترة وكل هذا مبرره زيادة التكاليف والأعباء ناهيك عن فرض شتى أنواع الضرائب الواقعية أو الخيالية على المواطن السوري، وكأن العامل السوري لم ترتفع التكاليف لإعادة إنتاج قوة عمله ولا يتحمل أي أعباء معيشية باتت تفوق قدرته الشرائية بمئات الأضعاف بل عليه الصبر والتحمل للحظة إعلان الانتصار على المؤامرة الكونية.

تكامل بين الناهبين في الخارج مع ناهبي الداخل

من جهتها فإن الحكومة ترى أنها ليست مسؤولة عن قضية الأجور والرواتب، وأن ما يمر به الاقتصاد السوري ككل ومن وضع كارثي وصل إليه، كل هذا نتيجة المؤامرة الكونية وعوامل خارجية مثل العقوبات وخروج آبار النفط من سيطرة الدولة وأن المسؤولية الأولية تقع على الحصار والعقوبات الغربية، وأنه لا سبيل لكسرها، وأن على المواطن أو العامل الصبر والتحمل والتحلي بالمسؤولية الوطنية والترفع عن مطالبه الآن، لأن اللحظة والوقت لا يسمحان للاعتراض أو تعكير صفو المجتمع، وبالتالي ليس الوقت مناسباً للمطالبة بحقوقه لأننا نواجه مؤامرة كونية ولا تسمح له حتى بالاعتراض على معيشته.

الحل السياسي هو المخرج

بما أن قضية الأجور والرواتب باتت أحد المفاصل الأساسية والمقياس لمدى نجاح أي مبادرة سياسية لأنهاء الأزمة السورية لأن هذا يرتبط بتوزيع الثروة والموقف منها، هكذا يعبر السوريون وهم محقون بذلك، فأي حل لا يغير من واقعهم السيء لن يكون حلاً بالنسبة لهم، ولأن الأجور أيضاً قضية سياسية واقتصادية، إلا أنها باتت سياسية أكثر وتحتاج إلى حل سياسي ووفق القرار.
فإعادة سلطة الدولة على كامل الأراضي السورية ومنها حقول النفط والغاز والقمح تحتاج إلى حل سياسي مع باقي القوى السياسية، وقد أثبتت التجربة أنه لا بد من الحوار، وكسر العقوبات والحصار يحتاج إلى مصالحة إقليمية مع دول الجوار وليس مع الدول العربية فقط، بل مع تركيا أيضاً التي تربطنا بها حدود مشتركة بمدى 900 كم، والتي يمكن من خلال إعادة العلاقات معها كسر العقوبات الدولية على سورية وإعادة إنعاش الاقتصاد وحلّ مشكلة الكهرباء والمياه والزراعة.

التعويل على المجتمع لحل أزماته فقط

والأهم من ذلك كله وبعد الحل السياسي، يبقى لدينا العامل الداخلي وهو سياسات الليبرالية التي تؤدي إلى حصر الثروة في أيدي قلة قليلة تتحكم بالبلاد والعباد فسياساتهم هذه هي أحد أهم المسببات التي فجرت الأزمة السورية وفجرت معه المجتمع السوري وقادته نحو الفقر والعوز والجوع والتشرد والهجرة والنزوح ومهدت للتدخل الخارجي في الأزمة السورية، ولا بدّ من تغيير جذري وشامل من خلال القطع الكامل مع الليبرالية الاقتصادية واعتماد العدالة الاجتماعية، وهذا يتطلب نضالاً واسعاً للعمال وباقي فئات المجتمع وإطلاق أكبر حريات للمجتمع والأحزاب والنقابات والإعلام لفضح قوى الفساد والكشف عن مواقعها داخل جهاز الدولة، وإن نضال العمال أنفسهم، وحده من يضمن لهم حقهم بالثروة والعيش الكريم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1143
آخر تعديل على الجمعة, 20 تشرين1/أكتوير 2023 18:31