بصراحة ... غليان في الأسعار يقابله غليان في الصدور
من المؤكد أن الأجور من أكثر القضايا إلحاحاً، ومن أكثر القضايا التي يجري تداولها على ألسنة من يبيعون قوة عملهم، سواء العضلية منها أو الفكرية. فهنا لا فرق بين الاثنتين من حيث النتيجة النهائية، وهي ضرورة تحسين الوضع المعيشي، المتناسب مع غلاء الأسعار، التي تقفز الآن قفزات متسارعة لا يمكن للأجور الحالية إدراكها، أو الوصول إلى حاله قريبة منها، مما يعني استمرار الحال على ما هو عليه من بؤس وحرمان للعاملين بأجر، مما يعني انقسام المجتمع إلى فريقين أساسيين ناهبين ومنهوبين، يجري الصراع بينهما.
الفريق الأول مسلح بكل الوسائل الضرورية التي تجعله مستمراً في تسلطه واستغلاله، والفريق الآخر مجرد من إمكانياته ومكبلة طاقاته، التي لا تجعله قادراً على الدفاع عن حقه في الحياة، وحقه في وطنه الذي يبنيه بعرقه ودمه، هذا الوطن الذي يعيش فيه بغربة، وكأنه مهاجر بين حدوده الجغرافية.
إن الطبقة العاملة السورية لديها الكثير من المجسات التي تستشعر بها تحسن وضعها المعيشي، وأهمها الأجور الحقيقية التي يتقاضاها العمال، والتي الآن لا تسد الرمق، والحديث المتواصل عن زيادة للأجور يطبل بها الإعلام ويزمر، يراد منها طمأنة العمال إلى إمكانية تحسين أوضاعهم (أمل إبليس في الجنة)، ومحاولة تأريض حالة الغليان المستتر الذي ينتاب الطبقة العاملة بسبب أجورها الضعيفة، التي أوصلت غالبية الطبقة العاملة إلى ما دون خط الفقر، الذي حددته الحكومة في بياناتها وإحصاءاتها، والحقيقة أن التحسن الذي قصدته الحكومة في بياناتها هو تحسن معدلات النهب لقوى السوق الكبرى، وانخفاض حقيقي في معدلات الأجور (80% إرباح، 20% أجور)، وهذه نتيجة طبيعية للسياسات الاقتصادية التحريرية، والاستثمارية والأجرية، التي اتبعتها الحكومة والتي ليس آخرها محاولتها رفع الدعم عن المشتقات النفطية والسير باتجاه رفع ما تبقى من دعم تحت مبرر عدم توفر الموارد الكافية وهذا الكلام مناف للحقيقية حيث الموارد موجودة في جيوب الناهبين الكبار الذين يسَلّمون كل ما هو رابح ويمكن أن يدر موارد لخزينة الدولة.
ما نود أن نقوله في كل ما تقدم، هو أن قضية الأجور- وزيادتها زيادة حقيقية، تستطيع أن تصحح المعادلة المائلة الآن لصالح الأرباح، أي لصالح رأس المال- هي قضية وطنية من الدرجة الأولى، تتحمل مسؤوليتها كل القوى النظيفة في المجتمع، وبالأخص الحركة النقابية التي يقع على عاتقها النضال من أجل ذلك، وهذا لن يتسنى تحقيقه وهي واقفة في الوسط، بين الحكومة والطبقة العاملة، فلا هي قادرة على أن تكون شريكاً حقيقياً للحكومة في سياساتها، ولا هي قادرة على قيادة الطبقة العاملة باتجاه تحسين أوضاعها والدفاع عن حقوقها ومصالحها بوسائل مشروعه أقرتها الاتفاقيات الدولية وأقرها الدستور، وكذلك تجارب الطبقة العاملة في العالم، ويفترض ألّا تكون الحركة النقابية في الوسط، وهذا يعني تكريس أفعال نضالية جديدة، جوهرها خلق ميزان قوى يتيح للطبقة العاملة إمكانية تعديل تلك المعادلة اللعينة (الأرباح- الأجور) لصالح الأجور فلم يعد مقبولاً الوقوف بالوسط.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1132