لا فائدة من حلول ليبرالية
تدور العديد من النقاشات وتنعقد المؤتمرات وتقدم ملايين المقترحات من اقتصاديّين وسياسيين ومسؤولين من الحكومة حول الطريقة المناسبة لتحسين الوضع المعيشي للمواطن السوري وإيجاد حلول لأزماتنا الاقتصادية خاصة انهيار العملة والتضخم المستمر
وجميع هذه المقترحات تدور في فلك الاعتماد على السياسات الليبرالية وإيجاد الحلول انطلاقاً منها، متناسين أن أزمتنا الأساسية هي بسبب السياسات الليبرالية والتي كانت أحد أهم أسباب انفجار الأزمة عام 2011 فقد مهدت الليبرالية الأرضية المناسبة لحرق سورية من الداخل من خلال ضرب الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي وتضرر معيشة ملايين السوريين وتحويلهم إلى عاطلين عن العمل ومما زاد في تدهور الاقتصاد السوري محاولة الخصخصة للقطاع العام وتخسيره، ورفع الدعم عن المواطن وتخفيض قيمة الأجور وتحرير الأسعار كل هذا أدى إلى توترات اجتماعية واقتصادية تحولت إلى سياسية مما مهد لانفجار الأزمة عام 2011 وتحولت الأزمة إلى أمنية وعسكرية هددت وجود البلاد بحد ذاتها لولا تدخل أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين، فالفقر الذي راكمته السياسات الليبرالية وراءها في المجتمع كان الدافع الأول لتفريخ المجموعات الإرهابية حيث اعتمد أعداء سورية على العاطلين عن العمل والمهمشين وهم بأعداد كثيرة كأدوات لحرق سورية من الداخل بالتعاون مع قوى الفساد داخل جهاز الدولة وخارجه.
لماذا الإصرار على الليبرالية
ومع انفجار الأزمة السورية وإصرار الحكومة على السير بنفس السياسات الاقتصادية التي تخدم مصالح قوى الفساد تعمقت آثار الأزمة أكثر فأكثر وتم تحميل وزرها لفقراء الشعب السوري فقط من عمال وفلاحين وصغار كسبة وحرفيين، حيث لعبت قوى الفساد دوراً كبيراً في تراجع قيمة الليرة السورية وتعمّدت تخفيض القوة الشرائية للأجور وزادت الهوة بين الأجور والأسعار وبلغت مستويات مخيفة، حيث لم يعد يكفي أجر العامل سوى ليوم واحد فقط، وراكمت قوى الفساد أموالاً طائلة من نهب الثروة الوطنية حيث بات 10% من السوريين فقط يحصلون على 90% من الثروة ناهيك عن المضاربة واللعب بقيمة الليرة وصرف الاحتياطي في البنك المركزي وفقاً لمصالحهم ورفع أسعار حوامل الطاقة لإنهاك وقطع الطريق على أي محاولة لإعادة عجلة الإنتاج، وعرض مؤسسات القطاع العام الاقتصادية منها والخدمية والسيادية للاستثمار، وتم التفريط بالثروة الوطنية وحصر واحتكار تجارة المواد النفطية والغذائية بيد جهات محددة محسوبة على قوى الفساد، وتهميش دور الدولة في استيراد المواد الأساسية والاعتماد على القطاع الخاص بحجة العقوبات والحصار.
حلول من خارج الصندوق الأسود
كل ما سبق ذكره عبارة عن تطبيق كامل لليبرالية الاقتصادية وتطبيق حرفي لتعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في الوقت الذي تدّعي فيه الحكومة أنها تحارب المؤامرة الغربية الكونية عليها، وفي الحقيقة الليبرالية هي المؤامرة التي كانت ومازالت مستمرة على الشعب السوري وبالتعاون مع قوى الفساد في الداخل، وأية مقترحات تخرج من نفس العقلية لن تؤدي سوى إلى مزيد من المآسي للشعب السوري وعمّاله، وأي عملية إنقاذ لن تكون ذات فائدة سوى بالقطع الكامل مع السياسات الليبرالية واتباع سياسة مغايرة كلياً، وهذا يتطلب أولاً تطبيق الحل السياسي وفق القرار 2254 لأن قوى الفساد والتي لا تزال مسيطرة على المجتمع والدولة لن ترضى حتى بمجرد تخفيض حصتها من النهب ولا حل معها سوى بفتح معركة حقيقية بمواجهتها لتكون بمجابهة المجتمع وقواه الحية، وهذا يتطلب منح أوسع الحريات الديمقراطية للمجتمع ومنظماته ونقاباته وإعلامه وهذا الجو لن يوفره سوى الحل السياسي والتغيير الجذري والشامل في بنية النظام السياسي والمجتمع، والحديث عدا ذلك كله كلام «طبخة حصى»، وإلقاء اللوم على الحلفاء وعلى الخارج وتحميلهم مسؤولية النهب في الداخل لن يجدي نفعاً وستنكشف مع قادم الأيام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1132