الأجور وتكاليف المعيشة
حددت المواثيق الدولية المختلفة والعربية وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي وقّعت سورية على العديد منها. معايير للحد الأدنى للأجر، وأفادت بأنه يجب أن يكون تحديد الأجر مرتبطاً بالتكاليف الحقيقية لمتطلبات المعيشة التي تضمن حياة كريمة للعامل وأسرته، ويتناسب مع ظروف المعيشة والارتفاع المستمر في أسعار السلع المختلفة التي يحتاجها العامل يومياً، والخدمات المختلفة التي يحتاجها العامل من نقل وكهرباء ومياه وطبابة وسكن وغيرها، وبالتالي يجب ألّا يقل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة للعامل وأسرته المعفى من كافة الضرائب.
إن اختلال هذه المعادلة يكشف عن خلل كبير اقتصادي واجتماعي، وهو يعبر عن مستوى عالٍ من النهب والفساد الكبير. العامل هو الطرف الأضعف في علاقة العمل، وحمايته واجب وطني أولاً وأخلاقي ثانياً. والأجر هو المحدِّد لتلك الاحتياجات للعامل وأسرته. ويجب أن يتم تحديده من خلال لجنة ثلاثية متوازنة التمثيل تجمع الحكومة والعمال وأصحاب العمل وفق آلية ملزمة بعد صدور قرارها بالتوافق.
فمثلاً متوسط تكاليف لأسرة تتألف من خمسة أشخاص أكثر من خمسة ملايين ليرة شهرياً، حسب ما ذكرت قاسيون في عدد سابق، بينما الحد الأدنى للأجور مازال عند حد أقل من 93 ألف ليرة سورية. وبالتالي فإن ما يغطيه الحد الأدنى للأجور هو أقل من 2% من متوسط تكاليف المعيشية.
والسؤال برسم النقابات اليوم، هل قامت الحركة النقابية بحساب تكلفة المعيشة من سلع وخدمات وأعدت البيانات والإحصاءات الضرورية كي يكون لديها أساس يتم تحديد الحد الأدنى للأجور ودعم مطالبتها برفع الحد الأدنى للأجور إلى ذلك الحد من متوسط المعيشة، وأعتقد أنه ليس معيباً لها أن تستعين بالخبراء والاختصاصيين في حال عدم توفر الكادر المؤهل لديها، رغم تاريخها الطويل، ليكون في جعبتها رقم مناسب للحد الأدنى للأجر تعتمد عليه وتعمل من أجله بكل وضوح وجدية.
ومن جهة أخرى فإن قانوني العمل النافذين قد تم تعريف الأجر من خلالهما، وهنا نحن لسنا بصدد مناقشة هذا التعريف لما له وما عليه الآن، ولكن تم إغفال تعريف الحد الأدنى للأجر، واكتفى قانون العاملين رقم /50/ بالجدول الملحق للأجر دون الأخذ بعين الاعتبار متوسط المعيشة أما قانون العمل رقم /17/ فقد اعتمد اللجنة الوطنية للحد الأدنى العامّ للأجور التي يتمثل فيها أصحاب العمل والعمال والحكومة وبغض النظر عن نسبة التمثيل غير المتوازن فيها، إلا أن هذه اللجنة لم تجتمع منذ صدور هذا القانون الذي كلفها باجتماعات سنوية واستثنائية لهذا الغرض.
أما فيما يتعلق بعمال القطاع الخاص فمشكلة الأجور لديهم ذات طبيعة مختلفة، حيث يقوم أصحاب العمل بتقسيم أجر العامل رغم انخفاضه عن الحد الأدنى لمستوى المعيشة، إلى قسمين الأجر التأميني وهو الأجر الذي يخضع لمظلة التأمينات الاجتماعية والقسم الثاني الذي لا يخضع لهذه المظلة في حال تسجيلهم لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وذلك للتهرب من تسديد الالتزامات الواجبة للتأمينات الاجتماعية اتجاه العمال لديه، وهنا تكمن معاناة عمال القطاع الخاص عند حدوث إصابة العمل وعند وصول العامل إلى سن التقاعد حيث يواجهون مشكلة كبرى في انهيار الدخل وليس انخفاضه.
هذا إضافة إلى المماطلة وعدم الالتزام بالترفيعات الدورية المستحقة للعامل في مواعيدها والتهرب منها في أحيان كثيرة ولا يجد العمال من يدافع عنهم لا نقابات ولا قوانين نافذة تنصف العمال وتحصّل حقوقهم المشروعة التي أقرّتها المواثيق الدولية ولحظها الدستور.
إن زيادة الأجور الآن ضرورة ملحة ومطلب وطني عاجل، وتتحمل النقابات مسؤولية خاصة تجاه من تمثلهم من المحرومين من حقوقهم وزيادة أجورهم زيادة مجزية متناسبة مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وإن التأخر في هذه الزيادة يعني مزيداً من الإفقار ومزيداً من تسلط وتحكم قوى الفساد والنهب بمصير الملايين من العمال، الطبقة العاملة هي المنتجة للخيرات في المجتمع، وهذه الأجور الهزيلة هي تبديد لوقتها وجهدها وطاقتها وللثروة الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1121