الفتات المقدم للعمال لن يغير أوضاعهم
في بعض معامل القطاع الخاص، حيث يكون العمال بالمئات، ويعملون ثلاث ورديات، وإنتاج المعمل رائج ومسوق بالرغم من الوضع المزري للصناعة عموماً، في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص، لأسباب كثيرة، مما يعكس هذا الحال نفسه على أوضاع العمال في أجورهم، وبالتالي، مستوى معيشتهم فيصبح عدم الرضا هو السائد عند العمال على ما هم به من سوء في أحوالهم، وعدم الرضا الذي يكون همساً في البداية، ويصبح علناً لاحقاً، ولكي لا يتحول إلى فعل ظاهر كإعلان احتجاج في المكان، أو توقف عن العمل، أو إضراب لوقت محدد، هذا الوضع يستشعر به رب العمل عبر قرون استشعاره المنتشرة على خطوط الإنتاج، ويحاول امتصاصه بأشكال مختلفة.
غالباً ما يلجأ أصحاب المعامل وأرباب العمل إلى طرق مختلفة يلتفون بها على مطالب العمال في تحسين وضعهم المعيشي، أي زيادة أجورهم، ومن هذه الإجراءات، أولها: دفع نسبة من الأجر المقطوع تعويضاً عن غلاء المعيشة، ودفع نسبة أخرى كمكافآت، ليبقى الأجر المقطوع ثابتاً، ولا تدخل تلك التعويضات في حساب الراتب التأميني، لأن ذلك سيكلفه مبالغ كبيرة تدفع في حساب العامل، وتحسب له عند الاستقالة أو الخروج على المعاش، هذا جانب، والجانب الآخر من الموضوع، والمرتبط بالهبات العينية بالمناسبات الدينية كشهر رمضان أو الأعياد وهذا يحمل في طياته مخاطر على العمال من حيث وعي مصدر استغلالهم وكيف يتم ذلك.
يقوم رب العمل بتوزيع بعض الهبات التموينية، وكذلك يوزع على العمال بعض قطع اللحم وغيرها، وهذا التوزيع كما ذكرنا أعلاه يأتي بسياق أن صاحب العمل قلبه لله وقلبه على الفقراء العمال المساكين، وهو يستفيد إلى أقصى حد من أوضاعهم السائدة التي لا تسر عدواً ولا صديقاً، وهو يستفيد إلى حد كبير من إيمانهم بأن ما يقدمه من أشياء تكون من فعل الخير التي ستكتب في صحيفة أعماله، ولا يعلمون قضية أساسية، وهي: أن صاحب العمل لا يقبل بالانتقاص من أرباحه، وبالتالي ما يقدمه هو جزء يسير مما ينتجه العمال، حيث يعمل قانون القيمة الزائدة عملاً جبّاراً من خلال تكثيف العمل، أو إطالته أو التطوير في أدوات الإنتاج، وأن ما يأخذه العامل أجراً وما يأخذه من هبات مأجور عليها رب العمل، هي مما ينتجه العامل في الساعات الأولى من عمله، وما تبقى فهي لرب العمل.
النتائج المستخلصة من هذه الوقائع، أن رب العمل يستحوذ على الربح الذي يريده من عمل العمّال، ويقدم لهم رشاوى ليضمن عدم تحركهم دفاعاً عن مصالحهم وحقوقهم، وأيضاً بهذا الفعل الذي يقوم به رب العمل يبقي وعي العمال لمصالحهم- إن تمكن بالاستمرار من تقديم الرشاوى- مغيباً ومرهوناً بتحركاتهم وبما يقدمه لهم، وهناك تجارب عمالية يمكن الرجوع إليها، حدثت في المراكز الإمبريالية والأطراف، حيث ساد الرفاه الاجتماعي، وقدمت للحركة العمالية والحركة النقابية الرشاوى المادية والمعنوية، ولم يستمر هذا الأمر مع تسيّد الليبرالية الاقتصادية في منتصف السبعينات، حيث بدأ الهجوم على مكاسب العمال وحقوقهم، واليوم مع اشتداد الأزمات، أصبح وضع العمال في أسوأ حالاته، ومستوى معيشتهم في الحضيض، حيث تشهد المراكز والأطراف الرأسمالية تحركات عمالية واسعة، ويعيد العمال تنظيم أنفسهم بنقابات جديدة، من حيث التكون والقدرة على المواجهة مع أعدائها الطبقيين، متخطين النقابات الصفراء السابقة، ومتجاوزين تجاربها وسلوكها السابق المهادن لقوى رأس المال.
إن الطبقة العاملة في سورية تتعرض لضغوط كبيرة في أكثر من جانب:
أولاً: الكوارث التي لحقت بها جرّاء الأزمة بالتهجير، ليس من مكان السكن فحسب، بل من مكان العمل.
ثانياً: البحث عن سكن وعمل في الوقت نفسه، وهذا رتب أعباءً كبيرة لا طاقة للعمال على تحملها.
ثالثاً: ضغط الأجور من حيث ضعفها وعدم قدرتها على تلبية الضروريات من سكن ومعيشة.
رابعاً: فقدان الطبقة العاملة لتنظيم يرعى مصالحها في أوضاعها الجديدة، حيث النقابات غائبة عن الفعل الحقيقي في الدفاع عن مصالحهم.
خامساً: في غياب النقابات ودورها في تنظيم العمال، تحرك العمال في بعض المعامل منفردين، واستطاعوا في بعضها تحقيق القليل من مطالبهم، لهذا اضطر أصحاب المعامل المجاورين من تقديم بعض الفتات لعمالهم درءاً لخطر العدوى من العمال المتحركين.
إن تطور الأوضاع المعيشة للعمال، وغياب حقوقهم وغياب تنظيمهم النقابي سيدفعهم نحو التحرك، وهذا قانون الصراع بين الناهبين والمنهوبين، وعندها لن يفيد الفتات المقدم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1116