القوة العاملة المهدورة....

القوة العاملة المهدورة....

البسطات معبية البلد

يعتقد معظم المارة بشوارع وطرقات العاصمة والضواحي الرئيسية أن آلاف العاملين على البسطات التي تحتل مساحات كبيرة من الأرصفة هم أصحابها وبأنهم «بقصو دهب» جرّاء عملهم، وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً بنسبة كبيرة، فهؤلاء البسطاطية بغالبيتهم مجرد عمال مأجورين. ورغم انزعاج المارة من هذا الاحتلال الذي يعيق حركتهم اليومية وتتسبب بالازدحام والفوضى والتلوث البيئي والبصري الكبير إلا أنهم يجدون فيها إيجابيات كبيرة على رأسها السعر المناسب لجيوبهم الفارغة.
إن أول ما ينتبه إليه أي من المارة أمام هذه البسطات، انتشارها الكبير واحتلالها للارصفة والطرق، والتلوث البصري والبيئي الذي تسببه، إضافةً إلى تنوع منتجاتها (الغذائية، القرطاسية، الأدوات الكهربائية الصغيرة، الألبسة، عدة المطبخ...إلخ)، وأيضاً إلى العمال القائمين على هذه البسطات فما يميز هؤلاء العمال فقرهم الواضح، عدم اهتمامهم بشكلهم الخارجي، فغالبيتهم من أبناء الريف الذين اضطروا إلى اللجوء إلى المدينة لعدة أسباب جوهرها السبب المعيشي.
فالانتشار الكبير لهذه الظاهرة لم يكن بمحض الصدفة، بل تزامن مع تدهور الأحوال المعيشية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وأيضاً بالتزامن مع وصول الفساد إلى مستويات غير مسبوقة أبداً. علماً أن هذه البسطات لا تتبع للأطر الاقتصادية المنظمة، فهي ليست بحاجة إلى وجود محل تجاري مرخص أصولاً، ولا ينطبق عليها أي من أنظمة الرقابة التموينية أو أنظمة الضرائب. وهذا لا يعني عدم التزام البسطات بهذه القوانين لكونها مجرد بسطة، ولكن ما يتم دفعه لتأسيس هذه البسطة وإنشائها لا يذهب إلى خزينة الدولة، وإنما إلى جيوب الفساد كرشاوى للمعنيين بالأمر.

العاملون بهذه البسطات

انتشارها بهذا الكم الهائل لا يمكن أن يتم بدون وجود فائض أو هدر هائل بالقوة العاملة، وهذا ما أمنه التدمير الممنهج للقوى المنتجة بمختلف القطاعات الصناعية والمهنية والزراعية، وبالتالي تقويض أية فرصة عمل منظمة ومحترمة للعاملين، وما يتبع هذا الأمر من كوارث معيشية مثل انخفاض الرواتب في القطاع الخاص فبأحسن الأحوال لا يتجاوز الراتب بأية وظيفة كانت حد 250,000 ليرة بشكل وسطي، هذا الراتب الذي لا يكفي حتى لتغطية مصاريف المواصلات، إضافة إلى انعدام القدرة على الاستمرار بالعمل الزراعي نظراً للخسائر الفادحة الذي يتعرض لها القطاع وارتفاع تكاليفه بشكل جنوني. وبالتالي وجد هؤلاء العمال أنفسهم مضطرين للعمل بمثل هذه الأعمال غاضين النظر عن مجمل سلبياتها التي تنعكس عليهم بشكل مباشر، فهذا العمل ليس مثل العمل المهني الذي يطور العامل ويزيد من خبراته الفنية وبالتالي ارتفاع راتبه، إضافة إلى بيئة وطبيعة العمل الصعبة، فهم يتحملون حرارة الصيف وشدته، إضافة إلى برد الشتاء وأمراضه، كل ذلك بسبب ما يؤمنه هذا العمل من مردود اقتصادي أقل بؤساً يساعدهم في البقاء على قيد الحياة، فيومية العامل على البسطة تقدر بحوالي 20,000 ليرة بشكل وسطي، أي إن دخله الشهري يقدر بحوالي 600,000 ليرة فقط لا غير في حين أن الحد الأدنى للمعيشة يتجاوز 2,000,000 ليرة وبالتالي فإن العمل على البسطة خفّض قليلاً من نسبة العجز والعوز الذي يعاني منه هؤلاء العمال، فبعد أن كان العامل يغطي 12.5% من حاجاته الدنيا من عمله السابق، أصبح الآن قادراً على تغطية 30% من الحد الأدنى للمعيشة الذي يبقيه على قيد الحياة.

الخلاصة

إن هذه القوة العاملة المهدورة هي نتيجة للسياسات الليبرالية المتوحشة التي اتبعتها النخب المالية الحاكمة في هذه البلاد، فهذه النخب ليست معنية بأي اعتبار اجتماعي، وما يعنيها فقط هو زيادة أرباحها وتجفيفها لثروات البلد حتى لو كان ذلك على حساب تدمير الطبقة العاملة بالمعنى الشامل والكلي، وبالتالي تدميرها للاقتصاد الوطني، مختبئة وراء شعاراتها الخلبية التي لا تمت لإجراءاتها التنفيذية بصلة لا من قريب ولا من بعيد. هؤلاء الناهبون لعلهم لا يعلمون أو أنهم يعرفون حق المعرفة، أنه لطالما كانت الطبقات المحكومة المساهم الأكبر في أي ازدهار اقتصادي أو حضاري على مر التاريخ كله. وأي تهميش أو تدمير للعمال يعني تدميراً للبلاد وتهديد وجودها، ولا يمكن أن تنجو البلاد من إجرام هؤلاء المتنفذين إلا من خلال التغيير الجذري والشامل والعميق عبر تطبيق القرار الأممي 2254 بشكله الكامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1112
آخر تعديل على الإثنين, 06 آذار/مارس 2023 10:31