تدمير الإنتاج عمداً
نشرت صحيفة تشرين الرسمية مقالة عن نقص العمالة في القطاع الخاص حيث ذكرت أن الإحصائيات الصادرة عن غرفة صناعة دمشق توصّلت إلى أن عدد العاملين الذين تركوا أعمالهم في القطاع الخاص قد بلغ حوالي 900 ألف عامل منهم 200 ألف بسبب الحرب، والباقي نتيجة الهجرة بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة وبحسب غرفة الصناعة فإن خسائر القطاع الصناعي الخاص قد بلغت أكثر من 300 مليار ليرة وعزت ذلك إلى غياب الرؤى والإستراتيجيات وأن هذا الأمر أثر بشكل كبير على الصناعة.
فيما أكد الاقتصادي علي أحمد أن الإقبال على الهجرة ارتفع بعد أن فقد العاملون الأمل بحل مشكلاتهم المتمثلة في عدم إعادة تأهيل البنية التحتية وتحسين واقع الكهرباء وتأمين المحروقات إضافة إلى لمشكلات الإدارية والتمويلية وزيادة النفقات وضعف هياكل البنى التركيبية فيه وسيطرة العمالة غير التقنية عليه وأن 70% من العمال غير حاصلين على الشهادة الإعدادية.
وأضاف أحمد أن معظم الشركات تفتقر إلى الإدارات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، وتعاني من قدم وترهل الآلات ومعدّات رأس المال المستخدمة فيه وخاصة في القطاع العام نظراً لصعوبة استبدالها وتجديدها حسب رأيه.
ورأى أن اعتماد سياسة كثافة العمل على حساب كثافة رأس المال بسبب سياسة الأجور الرخيصة أدى إلى ضعف تكنولوجيا الإنتاج وبين أن رفع أسعار نواقل الطاقة أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والشحن ورفع الأسعار في الأسواق وتوقف العديد من المصانع التي تعاني ركوداً وضعفاً في التصدير خاصة أن المناطق الصناعية والحرفية لديها انقطاعات كبيرة بالتغذية الكهربائية.
ليست مجرد أخطاء
طبعاً جميع الأسباب المذكورة أعلاه صحيحة وأدت إلى تراجع الإنتاج الصناعي في البلاد إلى أدنى مستوياته سواء في القطاع العام أو الخاص ولكن الدكتور أحمد أرجع هذا التراجع إلى عدم وجود رؤى وبرامج للخروج من الأزمة الراهنة لكن الحقيقة أن هذه السياسات المتبعة والمدمرة للإنتاج بجميع جوانبه الصناعي والزراعي هي سياسة مدروسة وليست ناتجة عن أخطاء غير مقصودة أو بسبب غياب الرؤى والإستراتيجيات فتدمير قوة العمل من خلال التضييق على العمال وتجميد الأجور مقابل تحرير الأسعار ورفع الدعم وحرمانهم من تأمين حياة كريمة هي سياسة متبعة قصداً وعمداً وعن سابق إصرار وترصّد، لا بل تعتبر الحكومة وغرفة التجارة أن تدمير قوة العمل يعتبر بيئة جاذبة للاستثمار، وهو ما أدى إلى النتائج التي نراها اليوم من هجرة العمال نحو الخارج للبحث عن بلد يعطي أجراً يكفيهم للبقاء على قيد الحياة فقط لتجديد قوة عملهم وهو ما أضر بالقطاع الصناعي بسبب هجرة الكفاءات المهنية والحرفية واليد العاملة المدربة.
تطبيق وصفات صندوق النقد الدولي
أما عن سياسة رفع أسعار حوامل الطاقة وعدم تأهيل البنية التحتية وخاصة في قطاع الكهرباء فهذه جميعهاً نتيجة لاتباع تعليمات صندوق النقد الدولي بحذافيرها حيث تهدف هذه السياسات إلى تدمير الإنتاج وتحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي صرف لا ينتج شيئاً لتتراكم الأرباح في جيوب القلة المستوردة المحببة للغرب، والتي يجري الرهان عليها لحل مشكلاتنا الاقتصادية وتسليمها مفاتيح البلاد والتي ليس آخرها تسليمها مهمة استيراد وتوزيع المشتقات النفطية والسماح للقطاع الخاص بتوليد الكهرباء حيث هاتان المهمتان كانتا محصورتين بجهاز الدولة.
تصفية القطاع العام
أما في القطاع العام فإن الأمر للأسف أكثر سوءاً حيث تعطل أكثر من 30 ألف عامل من أصل 87 ألف عامل ناهيك عن عدد المستقيلين والمعتبرين بحكم المستقيل، والذين يقدرون بالألاف نتيجة أيضاً للأجور الزهيدة التي يتقاضها الموظف أو العامل في القطاع العام، عدا عن سياسة الدولة قبل انفجار الأزمة وبعدها في عدم الاستثمار في معامل القطاع العام وعدم تجديده حتى تركته يموت شيئاً فشيئاً، لتمهّد الطريق أمام الخصخصة باعتبارها ملاذاً أخيراً وعلاجاً فعالاً للمرض العضال، ولكن إذا كانت هذه المعامل والمنشآت بالفعل خاسرة ولا فائدة من الاستثمار فيها فما الذي سيدفع القطاع الخاص للاستثمار فيها؟؟
كل ما وصلنا إليه من تدمير للإنتاج من خلال التضييق على الصناعة والزراعة ورفع أسعار الطاقة وعدم تأهيل البنية التحتية وتدمير قوة العمل كل هذه نتيجة للسياسات المدروسة وليست مجرد أخطاء أو بسبب غياب الرؤى والحلول، بل الحلول دائماً موجودة والرؤى توضع إذا وجدت الإرادة الحقيقية لذلك، ولكن بكل تأكيد ليست موجودة في جعبة الحكومة ومن وراءها من قوى فساد والتي تتحكم بالبلاد والعباد وفق مصالحها الضيقة والمرتبطة بالغرب وعقوباته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1102