عم نموت عالبطيئ

عم نموت عالبطيئ

التقينا بأحد العاملين بمعامل الكونسروة في المجمع الصناعي في منطقة الكسوة، يدعى بأبي محمود رجل خمسيني اثقلت الحياة كاهله، وجهه مليء بالتجاعيد التي تدل على مدى شقائه وعنائه وعذابه في سبيل تأمين معيشة أسرته المؤلفة من أربعة أولاد وأمهم.

يعمل أبو محمود منذ قرابة 15 عاماً على حد تعبيره، وكما هو معروف فإن طبيعة العمل في هذا النوع من الأعمال ساحقة بالمعنى النفسي والجسدي كما وضح لنا العم أبو محمود، علماً أنه تطرق تحديداً إلى ساعات العمل الطويلة، درجة تقسيم العمل المرتفعة، الأعمال الروتينية المملة، ناهيك عن أعمال العتالة ونقل صناديق البندورة وإلخ.
يبلغ الراتب الشهري الذي يتقاضاه أبو محمود حوالي 450,000 ليرة فقط لاغير، وكما وضح العم بأن هذا الراتب يكاد لا يكفي تكاليف أدويته التي بات يمارس عليها تقنيناً قسرياً من أجل تغطية مصاريف أسرته الأخرى.
يعاني أبو محمود من أمراض مزمنة خطيرة جداً (ارتفاع ضغط الدم، آلام في الظهر والمفاصل، تصلب الشرايين) علماً أن هذه الأمراض تعتبر مهددة للحياة إذا لم يتم التعامل معها بحذر وعناية شديدين وذلك عبر المراجعات الدورية والالتزام بالأدوية التزماً شديداً، إلا أن عمنا أبا محمود ومن أجل تغطية تكاليف الأسرة المرعبة أصبح بشكل عفوي يخفض من تكاليف دوائه ويقنن أدويته ويتناولها بحدها الأدنى (علماً أنه لا يوجد حد أدنى لها) لعله يستطيع مواجهة واقعه الساحق والماحق؟؟؟
وأكمل أبو محمود شارحاً كيفية تدبير حياته اليومية وبدأ بجملة عفوية إلا أنها تختزل حال ووضع الطبقة العاملة في البلد، وقال: «عم نموت ع البطيء، الله وكيلك بالرغم من أنه ما عم التزم بالأدوية مشان بس دبر طبخة اليوم، ومع هيك ما عم تدبر، ولادي صغار ولسا عم يدرسو ومافي غيري عم ناطح بهالبيت. شو رأيك إنو صرنا نشتري الزيت الأبيض بالالف والألفين؟؟ شو رأيك إنو صرنا نطبخ شوربة شعيرية تبع المعونات؟؟ حتى الخضرة صرنا عم نجيبها من أسوأ الأنواع وبالحبة والحبتين كمان؟؟ لك والله العظيم أنا مو سائل عني ولا عن صحتي تعودت، من زمان عم كابر على حالي وكابر بس لايمتى؟؟ قال شو بقلي الدكتور لازم تراجعني كل شهر، ليش أنا بقدر أدفع 30,000 لمراجعة الدكتور؟؟؟ والله إزا بجيب فيهن غراض للبيت أستر هالعيلة أشرفلي».
يتضح من خلال حديث أبي محمود مدى ازدراء وضع الطبقة العاملة التي باتت فعلاً تموت بشكل تدريجي وذلك عبر تدمير قوة عملها بشكل كامل وممنهج، علماً أن الحد الأدنى اللازم لأسرة كأسرة العم أبي محمود يقدر بحوالي 2,200,000 مليون ليرة شهرياً، أي إن راتبه يغطي ما لايتجاوز 20.4% من تجديد قوة عمله، يعمل بقوة عمل بنسبة 100% ويجددها بنسبة 20% تقريباَ، الأمر الذي يؤدي إلى حصول كوارث نفسية ومعنوية وجسدية تؤدي إلى انخفاض متوسط العمر، والمعاناة من أمراض نفسية وعضوية مزمنة وذلك للغالبية العظمى من الشعب السوري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1092
آخر تعديل على الثلاثاء, 18 تشرين1/أكتوير 2022 10:53