ليس لدى العمال ما يخسرونه أكثر مما خسروه
يشتد الوضع المعيشي تأزماً على العمال وعموم الفقراء، مع اشتداد درجة الاستغلال التي لا تتوقف مع التغيرات في سعر الصرف وبدونه، حيث تتغير الأسعار، ومع تغيُّر الأسعار تتغير أحوال الناس وأوضاعهم لدرجة أنهم يعيدون النظر بمجمل أولوياتهم مما يحتاجونه من أساسيات تمكنهم من الاستمرار والبقاء.
الحكومة أمام هذا الواقع الذي أصبح على شفير الهاوية، وينذر بكوارث اجتماعية وإنسانية، تدلي بدلوها الذي اعتاد عليه الناس، وهي تصريحات إعلامية مع بعض الإجراءات الشكلية التي لا تغيِّر من واقع الحال الذي نعيشه شيئاً، بل تزيد في تفاقمه مع كل تصريح يدلي به مسؤول، كما يحدث في أسعار المواد الأساسية والضرورية وكذلك في توزيع المشتقات النفطية، التي يعيش الفقراء في دوامة للحصول عليها إن تمكنوا من ذلك.
هبوط وصعود الدولار؟
السؤال هو: عند هبوط سعر الدولار بالنسبة لليرة، هل تتغير معه الأسعار هبوطاً أم تبقى على حالها؟ التجارب التي نمر بها تقول: إن الأسعار لا تتغير بحالة الهبوط وعند الصعود تصعد معه، وهذا هو واقع الحال الآن، والسبب في هذا: أن الحكومة غير قادرة على التحكم والسيطرة على الأسواق، وما يدور فيها كونها قد قدمت استقالتها منها منذ زمن بعيد، ويكون دورها مراقباً في أحسن الأحوال، والمتحكم الحقيقي هم سماسرة المال، ومن يستورد المواد ويسعرها، ويوزعها بالأسعار التي يراها مناسبة من وجهة نظر مصالحه، وبالتالي، يحقق من الدورة المالية هذه الأرباح الكبيرة من جيوبنا، وعلى حساب لقمة عيشنا.
تصريحات بمثابة زوبعة في فنجان
إن التصريحات المتكررة المرافقة لجملة الإجراءات تلك، من الحكومة وخبرائها، لم تعد تقنع لا الصغير ولا المقمّط بالسرير، وتعكس حجم العجز الحكومي عن إيجاد حلول حقيقية لتقدمها للشعب السوري من أجل تحسين مستوى معيشته، وإخراجه من دوامة العنف المعيشي المطبقة عليه، والسبب المباشر للمأزق الكبير الذي تعيش فيه هو: سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تسير بها، والتي استنفذت بها إمكاناتها جرَّاء عمليات النهب الكبيرة للثروة، التي ينتجها أصحاب الأجور والفلاحون والحرفيون وغيرهم من الشرائح والطبقات التي تئِن اليوم تحت ضغط وضعها المعيشي، ليس هذا وحسب، بل إن البلَّ وصل إلى ذقونٍ أخرى، مثل: الصناعيين، وأصحاب المنشآت الكبيرة والمتوسطة الذين يعبرون عن أوضاعهم الصناعية بأنها تنهار لأن حجم العراقيل التي تضعها الحكومة في طريقهم كبيرة، وواضحة لكل ذي بصيرة من الضرائب والرسوم إلى الإتاوات التي تفرضها عليهم جهات عدة، إلى ندرة حوامل الطاقة المشغلة للمعامل والمنشآت الحرفية، كل هذا يؤدي إلى إعاقة استمرارهم في الإنتاج وتشغيل العمال ويكون الخير أمامهم هو «ضب الشناتي» والرحيل إلى مكان آخر يمكنهم من العمل.
في الإعفاءات الضريبية على الأجور المقترحة مؤخراً في اجتماع مجلس النقابات، تمنّت النقابات على الحكومة ألّا تأكل الأسعار، تلك الميزة التي اعتبرتها النقابات أنها مجزيه، واعتبرها الكثيرون من الاقتصاديين «الحكوميين» عبر تحليلاتهم الاقتصادية- التي أدلوا بها على شاشات التلفزة المحلية- تعبيراً عن رغبة الحكومة في تحسين الوضع المعيشي للعمال الذي لم يطرأ عليه تحسن يذكر، بل يأخذ بالتراجع والتدهور أكثر فأكثر.
إن هؤلاء «المحللين» لم يكلفوا أنفسهم عناء النزول إلى الشارع لمعرفة رأي أصحاب الأجور وغيرهم من الفقراء، ولو فعلوها لعرفوا أن تحليلاتهم التي أدلوا بها بعيدة عن الواقع الذي يعيشه أصحاب الأجور، ومن في مقامهم.
الحلول ترقيعية لا فائدة منها!
إن أوضاع العمال ومستوى حياتهم المعيشي كحال فقراء شعبنا- التي يزداد فيها وضعهم المعيشي سوءاً- لا تحتاج إلى حلول ترقيعية لتغييرها، كما هو حاصل الآن، وتجربة النقابات والعمال مع الحكومة خلال الدورة الانتخابية التي انتهت، والدورة الحالية، تقول بعدم جدوى الوسائل المتبعة في الدفاع عن حقوق ومطالب العمال، وخاصة أجورهم بالطريقة المعهودة التي تسير عليها النقابات، على الرغم من تأكيد النقابات الدائم بأن الحكومة لا ترفض لها طلباً، مع العلم بأن العديد من المطالب التي تقدمت بها النقابات للحكومة لم يستجب لها، مثل: تثبيت العاملين وزيادة الأجور ومتممات الأجور وغيرها من القضايا.
إذاً، التجربة تقول عكس ما يعلن عنه من اتفاقات، فما العمل ونحن أمام أوضاع تزداد في شراستها تجاه الفقراء، وأمام تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤثر من حيث نتائجها على مجمل الوضع الذي نعيشه؟ الإجابة عند النقابات وكوادرها، وقد لا تكون هناك، بل عند الطبقة العاملة السورية!
الصراع مع الناهبين ماذا يحتاج؟
إن الصراع مع الناهبين يحتاج إلى رؤية، والرؤية تحتاج إلى موقف، والموقف يحتاج إلى قوى تكون قادرة على حمل هذه المسؤولية، والطبقة العاملة السورية ليس لديها ما تخسره أكثر مما خسرته، وهي قادرة أن تكون جزءاً أساساً من هذا الصراع، باعتبارها تدافع عن حقوقها ومصالحها، وحقوقها كثيرة وتعرفها الحركة النقابية تمام المعرفة، ولكنها مقيدة بسبب موقفها كشريك مع الحكومة، التي تعتبر نفسها والحكومة في مركب واحد، ولكن مركب الحكومة بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية في تناقض شديد مع المصالح الأساسية للطبقة العاملة ولا بدَّ للحركة النقابية أن ترى عمق هذا التناقض الذي حله يكون في التغيير السياسي الاقتصادي والديمقراطي الذي سيصنعه شعبنا وإلي حين حدوث تلك اللحظة من حالة التغيير القادمة لا بد من كسر كل الموانع التي تمنع العمال من التعبير عن حقوقهم ومصالحهم ومنها اختيار من يرونه مناسباً، لأنَّ الصراع الكبير مع قوى النهب والفساد يحتاج إلى موازين قوى، والطبقة العاملة قادرة على إيجاد تلك الموازين الضرورية لعملية التغيير المطلوبة، عبر العملية السياسية القادمة، من أجل مستقبل سورية ومستقبلهم السياسي والاجتماعي، الذي لن يتحقَّق إلَّا عبر نموذج اقتصادي يحقق أعلى نسب نمو وأعمق عدالة اجتماعية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1087