هل القصة قصة فساد فقط؟؟ أم سياسات مدروسة!!
دائماً يحمّل بعض المحللين الاقتصاديين وحتى التصريحات الحكومية قوى الفساد مسؤولية تدهور الوضع المعيشي، ويبدأ الهجوم عليهم وتوصيفهم بأنهم تجار أزمة استفادوا منها وراكموا أرباحاً طائلة على حساب الشعب ومعيشته، ولكن ومنذ انفجار الأزمة لم نسمع أو نقرأ خبراً عن اعتقال أي من هؤلاء أو محاكمته أو محاسبته وكأنهم مجرد أرواح شريرة أو أشباح تطير في سماء الوطن وتسرق كما يحلو لها.
الفساد هو نتيجة لسياسات مدروسة
ولكن إذا نظرنا قليلاً تحت المجهر نرى أن الفساد منتشر في سورية قبل الأزمة بعقود ولا علاقة للأزمة بظهورهم، بل هم أحد أهم أسباب انفجارها وأن من يتهمونهم اليوم بتجار أزمة هو مصطلح اخترع ليكون مجرد شمّاعة تعلق عليها الحكومة فشل سياساتها الاقتصادية لتخرج الحكومة وتكافح الفقراء بدلاً من الفساد وترفع الدعم عنهم باعتباره إغلاقاً لحنفية الفساد أو تلاحق مواطن استطاع الحصول على ربطة خبز أو ليتر محروقات خارج البطاقة الملعونة لتتهمه بتخريب اقتصاد الوطن وبالفساد وتحوله إلى محكمة الجنايات بتهمة المتاجرة بالمواد المدعومة!
حتى قوى الفساد التاريخية تحمّل مسؤولية الفساد لتجار الأزمة ولتطهر نفسها أمام المجتمع، وهذه القوى هي ممن انتهى دورها وتم سحب البساط من تحتها ليس لأن السلطة تكافحهم، بل لآنهم باتوا لا يلائمون المرحلة الحالية أو القادمة, باعتبارهم باتوا عبئاً على النظام السياسي أو بسبب صراعات داخل مراكز الفساد نفسها حتّمت التخلص منهم.
هذا ليس مجرد فساد
وبالعودة إلى الفساد ومسؤوليته في تدهور المستوى المعيشي ورغم أنه كان يحوز على 30% من الدخل الوطني قبل الأحداث إلّا أن السبب الحقيقي والجوهري لتدهور المستوى المعاشي هو السياسات الاقتصادية نفسها، فالليبرالية تتطلب من الحكومات تخفيض الأجور والرواتب ورفع الدعم مقابل تحرير الأسعار وضرب الإنتاج المحلي من قبل أصحاب اليد الخفية في السوق للتلاعب بمعيشة المواطنين، وكل ذلك تحت شعار تطبيق قانون السوق في العرض والطلب حسب زعمهم، وهذا ضغط حقيقي على الشعب، فماذا يعني أن يصل أغلبية الشعب إلى حافة الجوع الحقيقي.
إذا كانت الليبرالية تعني إفقار المواطنين فإنها تعني بالدرجة الأولى تراكم الأرباح الهائلة في الضفة المقابلة لفئة قليلة لا تتجاوز 10% من مجموع السكان وهؤلاء هم الذين يسهرون على نهب الدولة والمجتمع وتحويل البلاد إلى مزرعة غربية بحجة ربط الاقتصاد السوري بالاقتصاد العالمي وكأن الاقتصاد السوري يستطيع منافسة الاقتصادات الغربية أو مسايرتها، بل كل ذلك سيتسبب بتدمير الصناعة والزراعة وتحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي فقط غير منتج كما هي الحال في البلاد التي طبقت فيه الليبرالية والتي تعاني من معدلات مرتفعة من الفقر والبطالة.
واقع معيشي
تحت ضغط معيشي هائل وواقع مزرٍ وصل حد المجاعة أن تناضل الطبقة العاملة في سورية لكي تبقى على قيد الحياة فقط ويبتدع العمال مختلف الطرق لتقليل من خسائرهم اليومية فالسياسات الاقتصادية للحكومات السورية المتعاقبة ومنذ عام 2005 تحاول التضييق عليهم وتستغل انفجار الأزمة ونتائجها لتحميل وزرها للطبقة العاملة فقط، فيما على الجهة المقابلة تتراكم الأرباح والأموال في جيوب قوى الفساد يوماً بعد يوم، وهؤلاء لم يتأثروا بالأزمة ولم يتحملوا أي جزء من نتائجها، بل كانت السلطة دائماً تقدم لهم كافة أنواع الدعم والتسهيلات وتفتح خزائنها ومنشآتها لهم وتقرّ ما يناسبهم من قوانين وتشريعات، وتقمع من ينتقدهم بتهمة وهن عزيمة الأمة.
كيفيّة المحافظة على معدلات النهب
قوى الفساد التي تتوزع بين المعارضة والنظام هي التي تعرقل تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 والبدء بالحل السياسي للأزمة السورية لأنها تريد المحافظة على معدلات النهب المرتفعة دون تغيير حقيقي يمس جوهر الأزمة، وبما أن الحل السياسي يعني أن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه، فهذا بحد ذاته خطر على تلك القوى ويهدد نهبها وسرقتها للبلاد فهذه القوى لم تحتمل تطبيق نصوص الدستور الحالي حول استقلالية النقابات والعدالة الاجتماعية وممارسة الطبقة العاملة لحق الإضراب الدستوري، فكيف لها أن تسمح لجموع الشعب السوري وبكافة فئاته بالتعبير عن إرادته بعيداً عن رقابتها وأدواتها القمعية التي تمثل ذراع قوى الفساد في قمع الشعب وتغييب رأيه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1054