أطفال السبينة في حوش بلاس
وائلٌ صبي من السبينة لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، أسمر الوجه، قصير القامة، خفيف الظل، منطلق اللسان، تغطي الشحوم والزيوت المعدنية ثيابه الشتوية الصوفية السميكة، يمتلك كفّين لا تلائمان عمره وطفولته وجسده الهزيل، فهي مليئة بالجروح الملتئمة والحديثة، خشنتان كورق الزجاج، التقيناه في المنطقة الصناعية في حوش بلاس المتخصصة بصيانة المركبات، وتحديداً في إحدى ورشات ميكانيك السيارات.
ريف دمشق - سبينة
بدأ وائل عمله في الورشة منذ 9 أشهر، وأخبرنا أنه أصبح نصف معلم، وهو قادر على فك وتركيب العديد من القطع، وبأنه ترك المدرسة بعد أن نجح إلى الصف الخامس لكن أمه دفعت به كأترابه من سكان قاطني منطقة السبينة للعمل كي يتعلم مهنة تجعله قادراً على إعالة نفسه وعائلته بعد سنوات قليلة، قال إن أمه حالياً تعتمد عليه في تأمين دواء السكر الذي تأخذه بشكل دوري، إضافة إلى بعض الاحتياجات العائلية الأخرى بين الفينة والأخرى، وبأن هذا الأمر يسعده إلى حد ما، وأن راتبه الأسبوعي الذي يبلغ 6 ألاف ليرة يصرفها بهذا الاتجاه، لكنه يعاني من طبيعة عمله الشاق وطريقة تعامل صاحب الورشة معه الذي طالما أوسعه ضرباً على خطأ هنا أو تقصير هناك، وأخبرنا محمد أن المدينة الصناعية فيها مئات الأطفال والفتية القادمين من منطقة السبينة لدرجة يشعر بأنه فيها، وذلك بسبب الجوار الجغرافي بين المنطقتين ولوجود آلاف الورشات ومحلات بيع قطع السيارات، وحين سألناه لماذا لم يكتفي بالعمل خلال العطلة الصيفة كي لا يترك المدرسة لأجل العمل، أجابنا: بأن هذا ليس في مصلحته فأصحاب الورشات أولويتهم تشغيل الأطفال التاركين للمدرسة ولا يحتاجون إلّا إلى هؤلاء وإن شغّلوا أحداً في الصيف فقط فإنهم لا يعتمدون عليهم كثيراً ويقصرون معهم بالتعليم ويحددون عملهم بالأشياء البسيطة، وأضاف: حين يأتي الصيف سيأتي العديد من الأولاد الجدد للعمل معه بالورشة وسيقبل بهم المعلم لأن الشغل بالصيف يزداد وهو يحتاج إلى- حويصة- وبذلك سيكون معلّماً عليهم وأجره أضعاف أجرهم الذي لا يتجاوز أجرة المواصلات.
من الواضح والجلي أن أصحاب الورشات يعون مصالحهم بشكل كبير على حساب مصالح الفقراء الباحثين عن كل وسيلة ممكنة لاستمرار حياتهم البائسة، ولو على حساب أنفسهم وأطفالهم، يحاولون التعامل مع نتائج النهج الاقتصادي الاجتماعي السائد منذ عقود، لعلَّ الأيام القادمة تمكنهم من المشاركة في علاج أسبابها وتغيير واقعهم إلى ما هو حق لهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1053