نشوء الحركة العمّالية في العراق

نشوء الحركة العمّالية في العراق

تواصل جريدة «قاسيون» الإضاءة على تاريخ الحركات العمالية والنقابية في المنطقة العربية من أجل التعريف بالدور النضالي الذي قامت به الحركات العمّالية من أجل حقوقها الاقتصادية والديمقراطية وكذلك التعريف بدورها الوطني إلى جانب القوى الوطنية وشعوب المنطقة لطرد القوى الاستعمارية من أوطاننا هذا الدور المشرف والوطني جعل من الطبقة العاملة وحركاتها النقابية قوة سياسية واجتماعية لها وزنها المؤثر والفاعل في ميزان القوى المحلي والإقليمي الذي لابد أن تستعيده الطبقة العاملة مع التغيّر الجاري في ميزان القوى على النطاق الدولي.

نشأت الفصائل الأولى للطبقة العاملة العراقية بعد تغلغل الرأسمال الأجنبي في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين.
وتوسعت هذه الطبقة بعد الحرب العالمية الأولى. إذ نشأت العديد من مؤسسات النقل والموانئ والسكك الحديدية وبناء الجسور والبنى التحتية ومختلف أنواع المؤسسات واكتشف النفط عام 1927. ورغم عدم وجود قوانين وتشريعات تحفظ حقوق العمال في ذلك الوقت، بدأ العمال العراقيون الخطوات الأولى لتأسيس الحركة النقابية. وتأسست أول نقابة للصنائع عام 1929 (نقابة حرفية).

المتنورين العراقيين

بتأثير انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 وصعود الحركة العمالية في العالم، ارتفعت أصوات الطبقة العاملة العراقية ضد الجوع والحرمان والاستثمار الرأسمالي والاستعماري. وبدأت مجموعة من المتنورين العراقيين ينشرون الأفكار الاشتراكية مثل حسين الرحال ومصطفى علي وسليم فتاح ومحمود شوقي الأيوبي ومحمود أحمد السيد وعوني بكر صديقي وعبد الله جدوع، وغيرهم.

إضراب البصرة

شهدت مختلف المدن العراقية العديد من الإضرابات العمالية في العمارة عام 1917 والبصرة عام 1918، وكانت الكثير من التحركات ينقصها التنظيم والقيادة ووحدة الأهداف، لذلك فشل بعضها في الحصول على مطالب العمال أو جرى تشتيت قوتها المطلبية. وشهدت العشرينات تصاعداً في الإضرابات العمالية حيث كانت هذه الفترة مدرسة نضالية حقيقية للطبقة العاملة العراقية. إذ بادر عمال السكك الحديدية بافتتاح موجة الإضرابات عام 1927 وعمال شركة الكهرباء عام 1933 وغيرهم.

جريدة صوت العمال

تركت هذه الفترة آثارها على وعي الطبقة العاملة العراقية عموماً. وبدأ العمال يؤسسون المنظمات النقابية الأولى نتيجة الوعي بضرورة التنظيم والتوحيد في منظمات قوية قادرة على النضال والدفاع عن حقوق العمال.
بدأت هذه الخطوات مع العديد من المنظمات النقابية الأولى مثل جمعية أصحاب المصانع حيث كان أحد مسؤوليها ويدعى محمد القزاز على اتصال مع فؤاد الشمالي الذي يقود النقابات العمالية في سورية ولبنان. وقد أرسل الشمالي في العام 1929 المطبوعات العمالية إلى الجمعية لتوزيعها على العمال. وعندما أصدر الشمالي جريدة صوت العمال عام 1930 كان يرسل نسخاً إلى بغداد وأصبح كامل عباس سكرتير نقابة عمال الميكانيك موزعاً للجريدة في العراق. وشكل ظهور المجموعات الماركسية الأولى في البصرة عام 1927 وفي الناصرية عام 1928، ثم تأسيس لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار عام 1934 التي تحولت إلى الحزب الشيوعي عام 1935 دفعاً كبيراً للحركة العمالية العراقية.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت مرحلة جديدة بتأثير انتصار الاتحاد السوفييتي، ومن أبرز محطاتها إضراب عمال النفط الكبير في كركوك عام 1946 (إضراب كاورباغي) الذي كان محطة نوعية من حيث الوعي النضالي العمالي ودرجة التنظيم ونمو القوة. حيث كان العمال العراقيون محرومين من مختلف الخدمات حفاة عراة وبأجور يومية متدنية 30 – 50 فلساً لا تسد حاجاتهم اليومية بينما كان وضع العمال الأجانب يختلف، لذلك دعا العمال إلى الإضراب.
تشكلت لجنة عليا متكونة من عدد من العمال يقودهم عمال شيوعيون (حنا دانيال وحكمان فارس). كما تشكلت لجان محلية لمساندة العمال المضربين في الورش والمعامل بعيداً عن أعين عملاء الشركة. وفي الأول من تموز دقت الصافرة في العاشرة صباحاً تعلن الاستراحة للوردية الثانية وكان ذلك إشارة للإضراب وسارت تظاهرة العمال الحاشدة. وتعرّض العمال بعد 12 يوماً إلى الهجوم على يد الشرطة التي أطلقت النار على العمال فسقط عشرات الضحايا بين العمال.
وكان من نتائج الإضراب بأنه وحد سكان مدينة كركوك التي طالما حاول الاستعمار الإنكليزي تفتيتهم على أساس قومي أو طائفي أو ديني. كما انتصر العمال ورفعت الأجور إلى 315 فلساً في اليوم. وخصصت وسائل النقل للعمال وحصل العمال على الوجبة الغذائية، وعلى صفيحة نفط أبيض كل شهر. وحددت ساعات العمل بـ 7 ساعات في اليوم بدلاً من 12 ساعة. وبدأت الشركة تبني المساكن العمالية وتعطي العمال بدل السكن. كما حدثت في هذه الفترة إضرابات عمال الميناء والسكك والنفط والنسيج في مناطق مختلفة.
وكانت مرحلة الخمسينات مهمة حيث الانتفاضات الشعبية المعادية للاستعمار والاقطاعية والإضرابات العمالية الكبيرة وتوسع الحركة النقابية. ففي عام 1953 أضرب عمال التبغ وعمال ميناء البصرة وعمال البرق والبريد والسكك الحديدية. كما أضرب عمال شركة نفط البصرة الذي ترأسته اللجنة المحلية للحزب الشيوعي حيث أرغمت الشركة إلى زيادة أجور العمال والموافقة على تأسيس نقابة للعمال. وشارك العمال في مختلف الهبات الشعبية ضد الاستعمار عام 1948 وعام 1956. وبعد ثورة 1958 جرى الاعتراف بحقوق العمال في التنظيم النقابي وتشكيل نقابتهم واتحادهم العام. فقد وعدت وزارة الشؤون الاجتماعية، بترخيص نقابات العمال عند انتهائها من صياغة قانون العمال الجديد والذي وصفه بأنه يشتمل على امتيازات كثيرة للعمال وتضمن جميع حقوقهم. وانطلقت النقابات العمالية نحو العلن والتشكل الرسمي وانعقد «المؤتمر التأسيسي» للاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية في العام 1959.
وبعد هذه الفترة بدأ الهبوط في الحركة العمالية العراقية بتأثير تراجع الحركة الثورية العالمية والأوضاع السياسية العامة في عراق الانقلابات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1043
آخر تعديل على الجمعة, 12 تشرين2/نوفمبر 2021 23:19