التقرير الاقتصادي للنقابات متصالح مع الواقع
كما هي العادة تطرح النقابات مجموعة من التقارير تبين فيها عملها المنجز خلال دورتين من اجتماعات مجلس الاتحاد العام الذي تحضره الحكومة وتطرح بوجودها جملة من القضايا التي تتعلق بأوضاع العمال من حيث معيشتهم وحقوقهم المغيبة العديدة مع العلم أن ما يطرح في اجتماعات المجلس أصبح مكرراً منذ سنوات، أي بوجود الحكومة الحالية أو أسلافها من الحكومات السابقة وتكرار الطرح نفسه في اجتماع كل مجلس يعني أن تلك المطالب التي يتقدم بها أعضاء المجلس لم تلقَ الاستجابة المطلوبة، وتقدم الحكومات فيها كل المبررات المطلوبة منها والمنقذ لها في كل مرة هو أن الموارد غير كافية لتلبية ما يطرح من حقوق ومطالب، وأمام هذا التبرير المكرر يسود الصمت والقبول بالأمر الواقع ويخرج المتداخلون بخفي حنين كما جاؤوا يعودون من حيث أتوا و يا دار ما دخلك شر.
التقرير الاقتصادي المقدّم من قبل قيادة اتحاد النقابات لاجتماع المجلس يطغى عليه الوصف العام للواقع الاقتصادي الذي يعيشه الشعب السوري ومنه الطبقة العاملة حيث جاء في التقرير «أمام الحكومة الجديدة تحديات بالجملة في الشارع السوري على رأسها الوضع الاقتصادي المتردي من جراء سنوات الحرب الطويلة وجائحة كورونا» ويضيف التقرير أن هناك نقصاً في مختلف المواد الأساسية وحالة غلاء كبيرة ووضعاً معاشياً صعباً إضافة إلى الارتفاع الكبير في سعر الصرف وانخفاض المعاشات والأجور رغم الزيادات المتلاحقة التي لم تنعكس بشكل إيجابي على حياة ذوي الدخل المحدود.
إن هذا التوصيف العام لواقع الحال ضروري ولكن لا يغير من الأمر شيئاً طالما أن المسببات الأساسية لتدهور أحوال العباد لم يشر إليها، وهي مهمة، حيث يبنى عليها شكل ومضمون القرار المفترض اتخاذه لمواجهة ما يجري بحق الشعب السوري والطبقة العاملة، أي عندما تقول النقابات إن المسبب الرئيسي للكارثة الانسانية والمعيشية للطبقة العاملة سببها قوى الفساد والنهب الكبيرين المستحوذين على الثروة التي ينتجها العمال، وأن الحكومة بسياساتها ونهجها المنحاز إلى جهة هاتين الشريحتين تكون قد حددت العدو الطبقي الذي يقوم بعملية النهب، وكذلك ستحدد شكل وأدوات المواجهة المفترضة مع هذا العدو دفاعاً عن المصالح الوطنية والطبقية للطبقة العاملة، وتكون التعبئة للعمال بهذا الاتجاه هي الطريق الأقصر لحصول العمال على حقوقهم المختلفة ولكن البقاء ضمن الحدود التي جاء على ذكرها التقرير يعني أن النقابات متصالحة مع الأمر الواقع، ولن يحصل العمال في حال حصلوا على شيء سوى على الفتات الذي سيرمى لهم وهذا يضر ضرراً كبيراً بمن تمثلهم النقابات وهم أغلبية الشعب السوري الذي يعيش ضمن ظروف كارثية بكل المعاني.
بعد تعداد التقرير للإجراءات الحكومية مثل رفع الدعم عن الخبز والغاز والمازوت والبنزين وارتفاع أسعار الصرف وأسعار المواد الغذائية الضرورية ونتيجة لتلك الإجراءات كما يقول التقرير حدثت فجوة معاشية كبيرة بين الدخول (حيث متوسط الرواتب والأجور لا يتجاوز 80 ألف ليرة سورية) ونفقات الحياة المعيشية تحتاج إلى عشرة أضعاف متوسط الدخل الحالي.
على جانب آخر لا يمكن فصل العمال ومطالبهم وحقوقهم عن واقع وظروف العمل نفسها في مكان عملهم، كمنشآت ومعامل وقطاعات إنتاج، فإذا كان واقع هذه المنشآت والمعامل متردٍ فسينعكس ذلك على العاملين وعلى حقوقهم، فكيف بظل تراجع وترهل هذه المنشآت، بل استمرار النهج المدمر للإنتاج والقطاعات الإنتاجية عموماً، كنتيجة لجملة السياسات الليبرالية المطبقة منذ عقود وحتى الآن، والتي كان من نتيجتها انحسار وتراجع دور قطاع الدولة المنتج، بالتوازي مع تراجع دور الدولة نفسها، ولا يكفي هنا التغني بالعبارات المكررة عن دعم القطاع العام والإنتاج الوطني مع تسجيل الانحسار المطرد لهذا القطاع، والتراجع المستمر بالإنتاج، والذي تزايد خلال سنوات الحرب وبسببها، وبنفس الوقت كانت سبباً لزيادة سهام الاستهداف له بغاية تقويضه أكثر فأكثر، والتي كان من محصلتها سلب بعض حقوق الطبقة العاملة، وتآكل بعضها الآخر.
الحل النقابي
حددت النقابات طريقة الحل للوضع القائم بأن طالبت الحكومة «أن تعيد النظر بالقرارات البعيدة عن المسؤولية والبعيدة عن ملامسة الواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوري».
ولكن السؤال كيف ستعيد الحكومة النظر بقراراتها لصالح تحسين الوضع المعيشي للعمال؟
هناك مثل شعبي قد يكون مناسباً لحالة الموقف المعلن للنقابات يقول «سألوا المسمار ليش بتفوت بالحيط قلهم من كتر الدق» يعني ذلك كيما تعيد الحكومة النظر بقراراتها لابد من وجود قوة للطبقة العاملة تعبر بتحركها عن أعمق مصالحها وحقوقها حتى تحمي تلك المصالح والحقوق وهناك تجربة عند الطبقة العاملة السورية لا بد من استحضارها جرت أثناء انعقاد المؤتمر الخامس للنقابات عام 1945 حيث كان منعقداً المؤتمر العام للنقابات وكذلك البرلمان وتقدمت النقابات بجملة من المطالب العمالية والسياسية منها حق الإضراب للطبقة العاملة وأن يكون مدفوع الأجر ومن أجل ثماني ساعات عمل وتأميم الشركات الأجنبية وإصدار قانون عمل جديد وغيرها من المطالب وكانت النقابات قد أعلنت الإضراب العام في كل سورية وهذا يعني الشيء الكبير سياسياً واقتصادياً، فقد أصبحت الطبقة العاملة بقرارها هذا وزناً سياسياً واقتصادياً مؤثراً على السلوك العام تجاه مصالح وحقوق العمال، وكذلك على الوضع السياسي تحت هذا الضغط المعلن من قبل العمال والنقابات استجاب البرلمان لتلك المطالب وأعلم بها النقابات رئيس الوزراء في ذلك الوقت خالد العظم.
إذاً لا يمكن انتزاع حقوق الطبقة العاملة بالتمنيات والرجاءات والمصالحات، الأمر يحتاج إلى تعديل في ميزان القوى والطبقة العاملة السورية رغم كل ما أصابها من ويلات في معيشتها ومكان عملها قادرة على الفعل الحقيقي من أجل انتزاع حقوقها، كل حقوقها السياسية والاقتصادية والديمقراطية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1036