الليبرالية وراء ظاهرة عمل الأطفال..

الليبرالية وراء ظاهرة عمل الأطفال..

من المعلوم، أنّ أجراً واحداً أو أجرين فقط لم يعودا كافيين لتأمين متطلبات المعيشة لأية أسرة لذلك تعتمد أغلب الأسر الفقيرة على الزج بأولادها في سوق العمل، لعلهم يستطيعون مساعدتهم في تحمل تكاليف المعيشة المرتفعة، مع كل ما يتسبب ذلك من تسرب الأولاد من التعليم وتركهم مقاعد الدراسة والتوجه نحو العمل، ففي إحصائية لليونيسف عام 2019 بينت أن أكثر من مليوني طفل أي: أكثر من ثلث الأطفال هم خارج المدرسة، ويواجه 1,3 مليون طفل سوري خطر التسرب.

ويعيش أربعة من بين خمسة أشخاص من السوريين تحت خط الفقر، مما يدفع بالأطفال إلى اتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة، مثل: التوجه إلى عمالة الأطفال والزواج المبكر وذلك لمساعدة عائلاتهم في سد الرمق.
ومع النقص الحاصل في الأيدي العاملة من فئة الشباب نتيجة الهجرة، أو الطلب للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، بات اعتماد المعامل والمنشآت الصناعية والفعاليات التجارية والخدمية على الأطفال، لا سيما أن أجر الأطفال يبقى منخفضاً كثيراً مقارنة بالشباب، وهو من ناحية لا يستطيع الدفاع عن حقوقه، ولا يستطيع مطالبة رب العمل بزيادة راتبه، ولا يسبب متاعب لرب العمل.

قانون العمل رقم 17

إن بعض مؤسسات الدولة لا سيما البلديات ومتعهدو الخدمات فيها يعتمدون على الأطفال والمراهقين دون السن الثامنة عشر في القيام بأعمالهم، رغم نص قانون العمل رقم 17 لعام 2010 على منع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي، أو إتمام سن الخامسة عشر من عمرهم أيهما أكبر.
كما منع القانون تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً، ولا يجوز تكليف الحدث بساعات عمل إضافية كما يحظر تشغيل الحدث في العمل الليلي.

الاتفاقيات الدولية

منظمة العمل الدولية أبرمت مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عام 2018 مذكرة تفاهم لإطلاق مشروع جديد يتصدى لتفشي ظاهرة عمل الأطفال في سورية، ويشهد المشروع عمل منظمة العمل الدولية والوزارة والشركاء الوطنيين معاً في سبيل الحد من أسوأ أشكال عمل الأطفال، ويشارك كثير من الأطفال في أنواعٍ من العمل، تصنفها اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 على أنها أسوأ أشكال عمل الأطفال، ومنها: تجنيد الأطفال، واستخدامهم من قبل الجماعات والقوات المسلحة والزواج القسري أو المبكر والتسول والعمل في بيئات سيئة، وتحذر منظمة العمل الدولية من أن عدم التصدي لعمل الأطفال، بالإضافة إلى الأخطار المباشرة المحدقة بحياة وصحة الأطفال المنخرطين في أسوأ أشكال عمل الأطفال يمكن أن تخلق جيلاً كاملاً من الأطفال يفتقرون إلى الكفاءات الأساسية والمهارات الضرورية لتأمين سبل العيش والعمل اللائق في سورية بعد انتهاء الصراع، مما يشكل تحدياً خطيراً لانتعاش البلاد وتماسكها الاجتماعي.

جوهر المشكلة

كل هذه النصوص القانونية والاتفاقيات مع منظمة العمل الدولية لم تفلح في مكافحة ظاهرة عمالة الأطفال، وذلك بسبب السياسات الاقتصادية المتبعة، وبقيت تلك الاتفاقيات مجرد حبرٍ على ورق أمام الواقع الماثل أمامنا من تشغيل الأحداث واستغلالهم، لا سيما في المناطق الصناعية التي يعمل أرباب العمل فيها على تشغيل الأحداث من أبناء النازحين الذين نزحوا إليها، وبأعمال خطرة وبأجور بخسة دون أدنى مراعاة للشروط القانونية لتشغيل الأحداث، ويعود ذلك إلى السبب الأول والأخير، وهو تدهور الأوضاع الاقتصادية والتي تعرقل إيجاد حل لهذه الظاهرة من خلال تدني مستوى المعيشة للمواطنين، واتساع دائرة الفقر أكثر فأكثر.
لا يمكن معالجة هذه الظاهرة بمجرد إصدار قوانين أو إبرام اتفاقيات إذا لم تتوفر إرادة حقيقية لدى السلطة لمكافحة هذه الظاهرة، وتبني مبدأ العدالة الاجتماعية في الاقتصاد للقضاء على ظاهرة الجوع ومكافحة الفقر في سورية، واتباع سياسات اقتصادية تتبع مصلحة الأغلبية العظمى من السوريين، وهذا يحتاج أولاً وأخيراً إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، يقود نحو التغيير الجذري والشامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1021