قانون الاستثمار في ظل هذه الظروف!!!
ناقشت لجنة شؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشعب مشروع القانون الجديد للاستثمار، ودعت إلى الإسراع في إصداره لتشجيع المستثمرين ورجال الأعمال على الاستثمار في سورية، بدوره، وصف وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية مشروع القانون أنه عصري ومتميز، وأنه يتضمن الكثير من الوضوح والتبسيط في الإجراءات لتشجيع المستثمرين، ومنع الاستغلال والتلاعب بهم من قبل ضعاف النفوس، وتحدث أن القانون الجديد سيغير الخريطة الاستثمارية لسورية لأنه يقدم مجموعة واسعة من الحوافز والامتيازات، وأعطى مزيداً من الضمانات للمشروع الاستثماري، والقانون الذي ينظم عملية الاستثمار في سورية حالياً هو القانون رقم /8/ الصادر عام 2007، والذي أنهى العمل بقانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991.
من المستغرب أن بلداً مثل سورية لم يخرج بعد من الكارثة الإنسانية التي حلت به ولم تستقر أوضاعه السياسية والأمنية، ويعاني من انهيار اقتصادي وعقوبات دولية تصفها الحكومة نفسها بأنها جائرة، وأن تطرح في ظل هذا الوضع قانوناً للاستثمار وكأن المستثمرين سيأتون أفواجاً للاستثمار بسورية، وبناء على التجارب السابقة فإن إقرار مثل هذه القوانين يكون مجرد تهيئة البيئة القانونية والتشريعية لقوى الفساد لتستثمر الأموال التي نهبتها خلال الأزمة، مع تقديم تنازلات لها من قبل جهاز الدولة توصف عادة بالحوافز، وهي تعود بالنهاية بالخسائر على خزينة الدولة.
وإذا كانت سورية تتعرض لمؤامرة كونية حسب ادعاءات الحكومة، وأن الخارج يمارس حرباً اقتصادية عليها، فهل هذا الخارج نفسه سيسمح للمستثمرين بالاستثمار بسورية؟ ومن المعروف أن رأس المال جبان ولا يخاطر بأمواله، فكيف نقر له قانون يرضيه ويغريه بالاستثمار إذا لم تُقدم له مزايا وتنازلات تكون عادة على حساب الدولة والشعب والسيادة؟! أم سيكون على هيئة استثمارات تكون حصة الدولة منها بخسة، كما في استثمار شركة الفوسفات التي تملك الدولة 30% فقط من أرباحها؟
على ما يبدو أن قوى الفساد تريد تمرير مثل هذه القوانين مستغلة حالة تعطيل الحل السياسي، لترسخ وجودها وسيطرتها على مفاصل الحياة الاقتصادية، مستبقة الحل السياسي للأزمة السورية ونتائجه، ومن دون هذا الفهم لا يمكن تبرير إقرار مثل هكذا قوانين، وفي مثل هذه الظروف.
بالعودة إلى دراسة قانون الاستثمار السابق الذي جاء كسابقه دون تغييرات جوهرية والتي من المفترض أن القانون الجديد لم يأتِ بجديد، بل يقدم المزيد من التنازلات والإعفاءات فقط للمستثمرين، ومع عدم طرح مشروع القانون الجديد للنقاش، نعود إلى دراسة القانون الحالي الذي أعطى العديد من المميزات لقوى رأس المال المحلية والخارجية، وزيادة الدعم المقدم لهم إلى درجة كبيرة تصل حتى تحميل خزينة الدولة لبعض التزامات التجار، وتقديم إعفاءات ضريبية تصل نسبتها إلى 75% ولمدة سبع سنوات، في حين تجيب الحكومة على مطالب العمال بزيادة أجورهم بعدم توفر الموارد الكافية، وأن عليهم العمل بوطنيتهم والتمتع بالصبر، ولكن فجأة تتوفر الموارد وتزدهر خزينة الدولة لتلبية مطالب قوى رأس المال التي لا تنتهي ولا تقف عند حد معين.
ضمانات الاستثمار
في ضمانات الاستثمار التي ستمنح للمستثمر، أكد مشروع القانون على حرية الاستثمار، ومنع الاحتكار في مختلف النشاطات الاقتصادية، وهذا يدل على أن الدولة تسير في خططها للانسحاب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وعدم حصر بعض المشروعات الهامة بجهاز الدولة، وهذا ما سيعِّرض معامل القطاع العام لمنافسة غير شريفة مع القطاع الخاص، الذي سيحظى بامتيازات لن تتمتع بها المشاريع الحكومية.
عدم نفاذ القرارات والبلاغات الصادرة عن الجهات العامة، والتي تعيق عمل المشروع، وهذا يعني: إخراج المشاريع الاستثمارية من نطاق المراقبة الحكومية والاستغناء عن مبدأ سيادة القانون في الأراضي السورية، وإعطاء سلطة للمستثمر فوق سلطة جهاز الدولة والقانون، إضافة إلى عدم إلغاء إجازة الاستثمار و/ أو سحب تراخيص وموافقات المشروع و/ أو إيقاف تخصيصه بالعقارات، إلّا في حال وجود مخالفة، وبعد إخطار المستثمر، وإعطائه مهلة ستين يوماً لإزالة أسباب المخالفة، ولكن هذه المادة تتناقض مع المادة السابقة، والتي نصت على عدم نفاذ القرارات والبلاغات التي تصدرها الجهات العامة التي تؤثر في عمل المشروع، فمن يملك صلاحية محاسبة المستثمر في حال ارتكابه للمخالفة إذاً؟؟
مزايا وحوافز الاستثمار
- مزايا متنوعة أعطاها مشروع القانون للمستثمر من إعفاءات ضريبية نصت عليها المادة الخامسة تصل إلى 75% من الأرباح لمدة سبع سنوات، حسب شروط محددة أو 50% لمدة خمس سنوات، كما يجوز لرئيس مجلس الوزراء تمديد هذه الإعفاءات لثلاث سنوات أخرى، وللمجلس بناء على اقتراح مجلس الإدارة منح (حوافز خاصة غير ضريبية) إضافةً إلى ما هو وارد في المادة /5/ ومن هذه الحوافز:
- تحمل هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات نسبة 50% من إجمالي اشتراكات التأمينات الاجتماعية المتوجبة على المستثمر ربّ العمل عن العمال المسجلين لمدة خمس سنوات، أي: تحميل التزامات رب العمل للخزينة العامة، بما يشكل زيادة في أرباح المستثمر، وضغطاً على الخزينة العامة التي تؤمن أموالها من الضرائب التي تجمعها من جيوب المواطنين.
- تحويل المؤسسات الحكومية من مؤسسات تدخل إيجابي لصالح المواطن، إلى مؤسسات توضع في خدمة المستثمر لتسويق بضائعه، حيث تلتزم الدولة بشراء نسبة لا تتجاوز 15% من منتجات المشروع والمساهمة في تسويقها من خلال المؤسسات العامة.
- تقسيط أو تحمّل هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات نسبة 25% على الأكثر من فواتير» تعرفة استهلاك أو بدلات بعض الخدمات العامة، وتحميل الخزينة العامة لتعرفة استهلاك المستثمر للكهرباء أو المياه، مقابل رفع تعرفة الاستهلاك على المواطنين، أي: عملياً يجري تحميل المواطن فاتورة استهلاك المستثمر.
- تأمين أراضٍ وعقارات مملوكة للدولة دون مقابل أو بأسعار مخفّضة، في وقت يتم فيه رفع أسعار الأراضي للمشاريع السكنية، والذي يؤدي إلى زيادة جنونية في أسعار العقارات، في المقابل يتم تقديم العقارات مجاناً للمستثمرين!؟ كما سمح لهم بتجاوز سقف الملكية المحدد وفقاً للقوانين والأنظمة، في نفس الوقت يتم انتهاك حق الملكية للمواطن بحجة تنظيم المناطق التي طالتها الحرب وفق القانون رقم 10.
حقوق المستثمر
يحق للمستثمر الاقتراض بالليرة السورية أو القطع الأجنبي من البنوك المحلية، ويحق له تحويل أرباحه وحصيلة التصرف برأسمال من المشروع إلى الخارج، وهذا يؤكد أن المشاريع الاستثمارية لن تجلب رؤوس الأموال من الخارج إلى الداخل كما يتحفنا البعض، بل ستكون وجهتها من الداخل نحو الخارج، وهذا سيؤدي إلى زيادة الطلب على النقد الأجنبي، وبالتالي انخفاض في القيمة الشرائية لليرة السورية، وتراجع مستوى معيشة المواطن، وخاصة أن أرباح المشروع لن تشكل قيمة مضافة للاقتصاد، بل سيتم تحويلها للخارج.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1004