عن أحوال عمال مشاغل الخياطة
يعمل العمال في مشاغل الخياطة في وضع صعب وبعيد عن أعين الجهات الرقابية من نقابات، وبعيدٍ عن أنظار مفتشي التأمينات ووزارة العمل، وأغلب مشاغل الخياطة تفتتح في أقبية الأبنية وبشكل سري لا يدل عليها، ويضع صاحب العمل كاميرات على أبواب مشغله ولا يفتح باب مشغله إلا لمن يريد، متهرباً من الضرائب ومن مفتشي العمل والنقابات.
مشاغل كالسجون
كل هذا يعد حصاراً وظلماً يلحق العمال في هذه المشاغل، فهم يعملون لساعات طويلة تصل إلى عشر ساعات يومياً، وإذا كان لصاحب العمل طلبية مستعجلة فيتم إلغاء عطلتهم الأسبوعية، أما بالنسبة للأجور فهي كغيرها رغم ارتفاعها عن مثيلاتها في قطاعات أخرى إلا أنها تعد زهيدة مقارنة بمستوى الأسعار، أو مقارنة بسعر بيع القطعة الواحدة من منتوجاتهم فعلى سبيل المثال أحد العمال تحدث: وإنه يعمل في مشغل لخياطة المانطو النسائي ويتقاضى على القطعة الواحدة 800 ليرة مقابل أن سعره في السوق يبيعه صاحب العمل ب25 ألف ليرة سورية.
العمال محرمون من حقوقهم
طبعاً العمال في مثل هذه المشاغل لا يتمتعون بأية حقوق، فهم ليسوا مسجلين في النقابات ولا في التأمينات الاجتماعية، مع العلم أن هذه المهن غالباً ما يصاب بها العمال إصابات عمل، أو حتى أمراض في الظهر نتيجة لجلوسهم الطويل خلف مكناتهم، ومتى تعرض أحدهم لعارض صحي بسيط أدى إلى تباطؤ إنتاجه، يستبدله رب العمل مباشرة ويستغني عن خدماته.
ومتى انخفضت الطلبيات لدى رب العمل، فإنه تلقائياً يقوم بتسريح عماله ويبقي على قلة منهم ليخفض من مصاريفه، حتى يستدعيهم متى أتته طلبية أخرى وهكذا دواليك، فصاحب العمل دائما هو الرابح وفي مختلف الظروف على حساب عماله طبعاً، الذي يستغلهم ثم يستغني عنهم متى أراد وهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يستطيعون مطالبته بأي شيء لأن مصيرهم الطرد من العمل مباشرة، ولا يأخذون زيادة عن أجورهم سوى ما يتصدق عليهم، الحجي صاحب المشغل في فترة الأعياد وهو الذي يسرق تعبهم طوال العام.
هذه كانت أحوال هؤلاء العمال سابقاً، واليوم ازدادت معاناتهم أكثر وخاصة مع اضطرار الكثير من النساء والفتيات للعمل في هذه المشاغل لمساعدة ذويهم، وتلقفتهن سوق العمل، وبدأت في استغلال حاجتهن للعمل، وظروف الأزمة وتداعياتها أجبرتهن على قبول العمل في هذا الوضع الاستغلالي.
استغلال شركات الألبسة الكبرى لوضع العمال
في المقابل رأت شركات ومصانع الألبسة الكبرى في هذه المشاغل الصغيرة فرصة لها لكي تتخلص من عبء العمال وأجورهم، وباتت توزع لهذه المشاغل الأقمشة لتقوم هذه الأخيرة بصناعتها، فهذه المشاغل الصغيرة تستطيع التهرب من الضرائب وتشغل العمال بأجور زهيدة مما يعود بأرباحٍ أكبر لشركات الألبسة الكبرى.
استغلال أم مساعدة؟
خلال الأزمة دخلت العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وبدأت العمل في المجتمع حيث تعتمد هذه المنظمات على افتتاح مراكز لتدريب النساء من الأرامل والمطلقات والنساء التي أجبرتهن الأزمة على العمل، فتستهدف هذه الجمعيات هذه الفئة من المجتمع وتعمل على تعليمهن الأعمال اليدوية كالخياطة أو حياكة الصوف ويقومون بافتتاح مشاغل خياطة يتم من خلالها تشغيل هؤلاء النساء لساعات طويلة ودون إعطائهن أية حقوق أخرى سوى الأجر البسيط تحت حجة العمل الخيري والإنساني لمساعدتهن.
ومن ترفض منهن العمل في هذه الشروط والظروف الصعبة يتم استبعادها من العمل في المشغل، وتركها دون تأمين فرصة عمل لها، ودون تأمين رأسمال يمكنها من فتح مشروعها الخاص، وبالتالي لا تعود هذه المشاريع والدورات بأية فائدة حقيقية على هؤلاء سوى أنها تساعد هذه المنظمات في اختراق المجتمع عبر العمل الخيري والإنساني.