مظلّة التأمينات لا تغطي جميع العمال
بالرغم من الاستغلال الذي يتعرض له العمال اليوم نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة، والتي أنتجت بيئة قانونية وتشريعية تلائم مصلحة أصحاب العمل- ومن هنا أتى قانون العمل رقم 17 الذي يعبر عن مصلحة أصحاب العمل- ومع ذلك لا الحكومة ولا أصحاب العمل يلتزمون فيه ويستمرون في خرقه وفي الهجوم على العمال وعلى حقوقهم الطبيعية المشروعة.
أساليب لهضم حقوق العمال
نص قانون العمل رقم 17 على إلزام رب العمل بتسجيل عماله في التأمينات الاجتماعية (المادة 93 / فقرة م) وفرضت بحقه عقوبات مالية في حال مخالفته ذلك، إلّا أنعد قليل من أرباب العمل يخالفون هذه المادة، ولا يقومون بتسجيل عمالهم في التأمينات، وليس هناك جهة تحاسبهم على مخالفتهم الصريحة لقانون العمل، والمعني هنا: التأمينات الاجتماعية وأجهزتها الرقابية المكلفة بمتابعة قضايا تسجيل العمال، ولكن هذا لا يحدث في حالات كثيرة، وينحازون في أحيان كثيرة لرب العمل ورغباته.
عدا عن تعمد رب العمل إخفاء عماله عند زيارة مفتشي العمل، فالكثير من أماكن العمل كما هو معروف ممنوع دخولها من دون موافقة أصحاب العمل، وقد يتعرض العامل لعقوبة التسريح المشرّعة في قانون العمل، إذا قام بتقديم شكوى ضد رب العمل إلى أية جهة كانت.
وإذا كان عدد العمال المسجلين حالياً في التأمينات يبلغ 210 آلاف عامل فقط مقابل 310 آلاف سجل صناعي وتجاري في مختلف المهن، فهناك عدد يتجاوز مئات الألوف من العمال ليسوا مسجلين في التأمينات، يضاف إليهم العاملون في القطاع الصناعي والخدمي غير المنظم، فأية منشأة حرفية لا يمكن أن تعمل بأقل من عشرة عمال على الأقل، فما هو عدد العمال في المنشآت الصناعية والتجارية الكبيرة، وخاصة صناعات النسيج والألبسة والمنظفات والغذائيات والتعدين التي تحتاج للمئات من العمال!!
السياسات الاقتصادية هي السبب
تساهل الحكومة مع أرباب العمل، هو أحد أهم أسباب تراخي أصحاب العمل وعدم تسجيل عمالهم في التأمينات، وخاصة إصدارها كل عام مرسوم يعفي أصحاب العمل من الفوائد والرسوم المترتبة في ذمتهم، مع أن القانون أعطاها حق ممارسة الحقوق المخولة للسلطات المالية بموجب قانون جباية الأموال العامة، لتحصيل المبالغ المترتبة لها بموجب قانون التأمينات وتعديلاته على المشتركين والمتخلفين عن الاشتراك، إضافة إلى تساهل المؤسسة في تحصيل ديونها من القطاعين العام والخاص والذي وصل إلى 40 مليار ليرة، إضافة إلى ديونها على الحكومة والتي تتجاوز 300 مليار ليرة.
المأساة الأخرى التي يتعرض لها العمال المسجلون في التأمينات، أنهم مسجلون في المؤسسة على الحد الأدنى للأجور والذي يبقى كذلك حتى تقاعدهم من العمل بالرغم من أنهم يتقاضون أجوراً أعلى من ذلك إلّا أن هذه الزيادات لا تسجل لهم في المؤسسة، ولا يتم التصريح بها من قبل رب العمل، ولا يستطيع العامل إثبات ذلك إلّا بحكم قضائي من المحكمة العمالية، وطبعاً سيكون مصيره التسريح من العمل في حال كسب الدعوى أم خسرها، فقانون العمل في مصلحة أرباب العمل وليس العمال.
رئيس الحكومة وفي أحد تصريحاته وعد بحل قضية التأمينات خلال شهرين، ولكنه تقدم بحلول لا نعتقد أنها مجديه وعملية لحل هذه القضية المستعصية على الحل منذ سنوات طويلة، وإلى الآن، لم نرَ أية خطوات على أرض الواقع قامت بها الحكومة لتحصيل حقوق العمال.
الحل في تطبيق الدستور
حل هذه القضية لا يكون عبر أرباب العمل، ولا المراهنة على أخلاقهم وحسن تعاملهم مع العمال، والحل الوحيد، هو: إعطاء العمال الحرية الكاملة التي كفلها لهم قانون التنظيم النقابي والدستور واتفاقيات منظمة العمل الدولية في تشكيل لجان نقابية داخل هذه المعامل تتولى الدفاع عن مصالحهم، وترفع مطالبهم مستخدمة جميع الأساليب النضالية الدستورية لتحصيل حقوق العمال، والعمال هم الأدرى بحقوقهم وهم يعرفون كيف يحصّلونها ولا يحتاجون لا إلى مفتشي عمل ولا أية جهة رقابية أخرى يقعون تحت رحمتها، ويجيرها رب العمل لمصلحته بما يملكه من نفوذ، وتاريخ الحركة النقابية والعمالية.