التسريح التعسفي في قوانين العمل
(العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين) المادة أربعون من الدستور السوري.
(حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون،
يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء) المادة الحادية والخمسون.
كل هذه الحقوق الممنوحة للمواطن والعامل حسب نصوص الدستور السوري لعام 2012 أتت ملغية للمواد 64 /65 من قانون العمل رقم 17 المتعلقة بالتسريح التعسفي و للمادة 137 من قانون العاملين الأساسي بالدولة رقم 50 التي أعطت الحق لرئيس مجلس الوزراء بتسريح أي عامل أو موظف في الدولة دون بيان الأسباب الموجبة لذلك، ودون سماع دفاع العامل وتحصن مثل هذه القرارات من رقابة القضاء الذي لا يملك صلاحية النظر فيها أو حتى تعديلها، وهو ما يحرم العامل من أهم حقوقه الدستورية وهي التقاضي، وبناء على هذه المواد في قوانين العمل تم تسريح عشرات الآلاف من العمال في القطاعين العام والخاص لأسباب غير معروفة.
التسريح في القانون رقم 50
بحسب نص المادة 137 فإن قرارات رئيس مجلس الوزراء تصدر بناء على اقتراح لجنة تشكل من وزير العدل ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، دون اعتبار للاتحاد العام لنقابات العمال بوصفه جهة تمثل العمال وهذا بحد ذاته يعطي طابعاً غير مشروع لهذه اللجنة وعملها.
وقد نصت المادة 137 من القانون على عدم جواز استخدام العامل المصروف من الخدمة بناء على هذه المادة إلّا بقرار من رئيس مجلس الوزراء حيث نصبت تلك المادة رئيس مجلس الوزراء خصماً وحكماً في وقت واحد، والقصد من ذلك هو إغلاق الباب بوجه إعادة المصروفين من الخدمة إلى العمل نهائياً تحت أي بند، فليس هناك من جهة رقابية على رئيس مجلس الوزراء وعلى قراراته، ولو كانت هذه المادة تعيد العامل المصروف من الخدمة إلى عمله فمن سيعوض العامل عن الفترة التي بقي فيها عاطلاً عن العمل؟ ألا يجب أن يتحمل رئيس مجلس الوزراء مسؤولية قراراته وتجري مخاصمته أمام القضاء لتعويض هؤلاء العمال.
أين صلاحية القضاء؟
أغلب حالات التسريح التي تجري في القطاع العام يتم عادة تذيّلها لأسباب تتعلق بالفساد، ولكن لو كان هذا التبرير صحيحاً لكان من الأجدر على الحكومة أن تحيل الموظف إلى القضاء، المنوط به وحده محاكمة العامل الفاسد، فارتكاب العامل لجرم ما لا يعطي الحكومة صلاحية التعدي على صلاحيات السلطة القضائية، ولا يحرم العامل من حقه الدستوري في محاكمة عادلة توفر له فيها الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه، وكذلك حقه بالطعن بقرارات الحكومة أمام القضاء.
وقد اشتكى عدد من العمال الذين سرحوا بناء على هذه المادة: أنه تم تسريحهم كيدياً بسبب خلافات مع الإدارة التابعين لها رغم صدور قرار من المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى العمل، إلّا أن رئيس الحكومة أصدر قراراً بفصلهم بعد ذلك وهو ما يعني تجاوز الحكومة للقضاء وقراراته وعدم احترامها.
التسريح في القطاع الخاص
ولا ننسى المواد 64 /65 من قانون العمل رقم 17 والتي تجيز لرب العمل تسريح عماله وبشكل تعسفي من العمل، ورغم إعطاء العامل حق مراجعة القضاء إلّا أن القانون سحب هذا الحق من جهة ثانية، حيث نص على أنه بمقدور رب العمل رفض تطبيق قرار المحكمة وتسريح العامل، فسلطة رب العمل فوق سلطة القضاء أيضاً؟ وهو ما أدى إلى تسريح عشرات الآلاف من العمال خلال هذه الأزمة، وهو ما فاقم مشكلة البطالة أكثر وزاد من معاناة العمال!
ويكاد يكون التسريح التعسفي بمثابة السيف المسلط على رقاب العمال يشهره رب العمل في وجههم كلما طالبوا بحقوقهم المشروعة، ولم يؤدِ قانون العمل رقم 17 إلى ظهور علاقات عمل سليمة كما أدعى واضعوه بل أدى إلى ظهور علاقات في منتهى الاستغلال، يستغل فيها رب العمل العامل إلى أقصى الحدود دون أن يكون للأخير حق الاعتراض حتى.
ففي الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر على الشعب السوري يفترض من الحكومة أن تقف مع العمال وتنصفهم، فهذا يوفر عليها أبيات الغزل التي يطربون بها آذان العمال في كل مناسبة وتؤمن لهم فرص عمل وترفع من مستوى معيشتهم، لا أن تقوم بطردهم من عملهم وتحاربهم بلقمة عيشهم، فهذا لا يخدم الإنتاج أولاً، لأن العامل الذي لا يشعر باستقرار في عمله لن يكون عاملاً منتجاً، فهو مهدد بالطرد في أية لحظة، والبطالة في انتظاره، وفوق ذلك محروم من مراجعة القضاء أيضاً أي: (كما يقول المثل: فوق الموت عصة قبر كمان).