لا تستثني العمال يا حكومة
أعلنت رئاسة مجلس الوزراء على موقعها الإلكتروني البدء بخطة تطوير وتحديث التشريعات الناظمة لعمل الدولة، عبر خطوات أبرزها: إلغاء الاستثناءات وتوحيد التشريعات المتماثلة والمتشابهة بحيث تكون “بسيطة ومرنة وواضحة لا تحتمل التأويل”، وذلك استعداداً لمرحلة ما بعد الحرب.
في التفاصيل
شكل المجلس مجموعة عمل من وزارات العدل والمالية والتنمية الإدارية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي والأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، لوضع الآليات التنفيذية لتطوير وتحديث التشريعات.
وفي تصريح للصحفيين عقب الجلسة أكد وزير العدل: أن التشريعات الموجودة حاليًا يعتريها الغموض في كثير من موادها، بالإضافة إلى تناقض بعضها، مشيراً إلى أن الآليات التنفيذية لتطوير وتحديث التشريعات ستركز على توحيدها وإزالة التناقض بينها، لتكون واضحة لا تحتمل التأويل ودون أن تتضمن أية استثناءات.
ماذا عن العمال؟
تبدو هذه الإجراءات ضرورة ملحة ولا سيما ما تعلق منها بإلغاء الاستثناءات التي كثيراً ما فتحت الباب واسعاً أمام مختلف التجاوزات والإنتهاكات بحق التشريعات المعمول بها، لكن السؤال الذي لا مجال لإغفاله، هو: هل سيتم تطبيق هذا الإجراء الهام على قوانين العمل بما يكفل إيجاد قانون عمل موحد يجمع الطبقة العاملة، والتي لطالما جرى الانتقاص من حقوقها بفعل الاستثناءات؟ أم أنه سيجيّر كما جرت العادة لخدمة مصالح أرباب العمل فقط دوناً عن العمال؟
أمثلة كثيرة
بالنسبة للطبقة العاملة، تشكل الاستثناءات مجالاً رحباً يتيح لأرباب العمل التملص من المسؤوليات والتطاول على الحقوق ، لذلك لا يكاد يجتمع العمال في مؤتمراتهم أو لقاءاتهم اليومية المعتادة خلف الآلات دون أن يُعرّجوا في حديثهم على التجاوزات التي تنهش جسد النص التشريعي، وتلتهم حقوقهم دون مبررات منطقية في معظم الحالات، إذ تجد عمالاً يشكون حرمانهم من تعويض الاختصاص دون سبب مقنع، وآخرين لا يتقاضون تعويض طبيعة العمل، أو لا يحصلون على بدل اللباس العمالي رغم أن لهم أقراناً في منشآت مماثلة ينالون هذه الحقوق، في حين ما زال عمال آخرون لا يتقاضون التعويض المعيشي، كما يعاني كثيرون من الحرمان من أجر العمل الإضافي..إلخ والتجاوزات أكثر من أن نحصيها هنا.. فهل هذه الاستثناءات موجودة ضمن خطة العمل الجديدة التي تطرحها الحكومة؟
ما لا يجوز..
كلمة يجوز من الكلمات الحاضرة بوفرة في القانون 17، وهي مفتاح لعشرات الاستثناءات التي تجيز للوزير المعني أو لرب العمل ما ليس من حقه فعلياً، ومنها على سبيل المثال: المادة 51 التي تتيح لرب العمل في أحد بنودها تكليف العامل بغير العمل المتفق عليه حتى ولو اختلف عنه اختلافاً جوهرياً، وذلك في حالتي الضرورة والقوة القاهرة، ومنعاً لوقوع حادث أو لإصلاح ما نشأ عنه ولمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، وكذلك المادة 53 التي تسمح لرب العمل بإنهاء عقد العمل محدد المدة في أي وقت خلال مدة سريانه.
العمال أولاً
لا شك أن إلغاء الاستثناءات والتجاوزات وإلزام رب العمل بتطبيق التشريع المتفق عليه دون التفاف على حقوق العمال هو مطلب أساسي بالنسبة للطبقة العاملة، وهو ليس سوى الخطوة الأولى نحو قوانين عمل موحدة وعادلة ولا تحتمل عشرات التفسيرات، وننتظر من الحكومة ألّا تدير هذا المطلب بما يخدم مصالح أصحاب الأموال ويعزز قوانين التشاركية، والاستثمار على حساب العمال كما جرت العادة.