وعودٌ لا تُطعم خُبزاً
يحظى عمال المخابز بقسط وافر من الوعود الحكومية قياساً بأقرانهم من العمال، ولا ريب أن ذلك يعود في المقام الأول إلى أهمية عملهم ودورهم في تأمين قوت المواطن السوري يوماً بيوم، لكن وكما جرت العادة لا تعني الوعود في بلادنا مزيداً من الاهتمام أو قسطاً أوفر من الحقوق، وإنما تبقى مجرد كلمات معدة للاستهلاك الآني، وتشير حين تقدم إلى فئة ما بعينها أن هذه الفئة ما تزال بعيدة للغاية عن نيل حقوقها.
مجردون من الحقوق
هذا هو بالضبط ما يجري مع عمال المخابز، فالنسبة الأكبر منهم ما زالوا يعملون بصفة عمال مياومين، أي: أنهم لا يتمتعون بالاستقرار ولا تغطيهم المظلة التأمينية وليست لهم تعويضات أو زيادات دورية منتظمة، وإنما فقط أجر يتقاضونه لقاء كل يوم عمل ويحرمون منه في حال تغيبهم، حتى لو كان ذلك لأسباب قاهرة.
عدا عن ذلك فأغلبهم بلا تأمين صحي وما جرى تداوله مؤخراً من إعطاء البعض منهم هذا الحق مقتصر على عمال الشركة العامة للمخابز وممن هم مثبتون أو بعقود سنوية أصلاً، أما الغالبية من العاملين بعقود مياومة فهم مجردون تماماً من هذا الحق. والأمر ذاته ينطبق على التأمينات الاجتماعية فالعمال المياوميون غير مسجلين فيها، ويشترط لتسجيلهم تحول عقودهم إلى عقودٍ سنوية على الأقل، وبالتالي فليس من حقهم تعويض إصابة العمل في حال تعرضهم لها، كما لا يحصلون على أجورٍ تقاعدية وحتى لو أمضوا في عملهم هذا عشراً أو عشرين سنة فإنهم يخرجون كما دخلوا دون أي تعويض أو راتب تقاعدي.
كذلك يعاني عمال المخابز من أجور هزيلة للغاية لا تتناسب مع طبيعة عملهم الشاقة، والتي تقتضي في معظم الأحيان ساعات عمل طويلة يومياً يمكن أن تصل إلى 12 ساعة، وسط ظروف في غاية الصعوبة، أقلها: التعرض المتواصل لحرارة الأفران العالية، والوقوف طوال ساعات العمل، وعدم مراعاة شروط السلامة المهنية في أماكن عملهم.
جعجعة الوعود
وسط كل هذه الظروف القاسية تطل وزارة التجارة الداخلية كل حين محملة بالوعود لعمال المخابز، فتؤكد على مساعيها الهادفة إلى تثبيتهم، ورفع أجورهم ومنحهم التعويض المعيشي أسوة ببقية العمال، وتشميلهم بالتأمين الصحي، ومن هذه الوعود على سبيل المثال لا الحصر: قرار وزير التجارة الداخلية منذ نحو سنتين بتشكيل لجنة لإعداد دراسة لتحويل عقود العمال المياومين إلى عقود سنوية، والقرار الصادر في آب الماضي والذي ينص على منح عمال المخابز الآلية 8 آلاف ليرة شهرياً، لكنه لم يطبق في أغلب الأفران، في حين حصل العمال في بعض المخابز على 5 آلاف ليرة فقط، رغم أن الزيادة كما يفترض تشمل جميع العمال وليس فقط العاملين على خطوط إنتاج الخبز.
على سبيل التطوير
كما تناقلت وسائل الإعلام المحلية عن وزير التجارة الداخلية: أنه يجري العمل حالياً على إنجاز 18 مخبزاً على مساحة الأراضي السورية لتأمين مادة الخبز للمواطنين بيسر وسهولة، وأن ثمة مساعيَ تهدف إلى تغيير شكل ربطة الخبز بحيث تحتوي 15 رغيفاً بقطر أصغر مما كان عليه في السابق وبالسعر نفسه والوزن وأن الهدف من ذلك تقليل الهدر في الرغيف.
وبغض النظر عن جدوى قرار كهذا، إلّا أنه من الجلي أن المرحلة المقبلة تتطلب تطويراً في آليات العمل كماً ونوعاً، وأن ذلك يقتضي بالضرورة وقبل كل شيء دعم الأيدي التي تنتج الخبز عبر منح العاملين في المخابز الاحتياطية والآلية على حد سواء حقوقهم المسلوبة، وتحسين واقع عملهم ورفع أجورهم، بحيث يتحسن واقعهم المعيشي ويتناسب ما يتقاضونه مع ما يبذلونه من جهد لصنع خبز المواطن السوري، وهذا بطبيعة الحال أمر لا يمكن تحقيقه عبر منح الوعود الحكومية.